عنوان ينضح بالسخرية جاء في الصفحة التي تهتم بالصحة والأوبئة، في جريدة نيويورك تايمز الأمريكية "السودان فصل أيضاً الدودة الغينية بعد أن فقد ولاياته الجنوبية بالإنفصال"، ووصفت الصحيفة هذا الانتصار بالفارغ. وحتى لا نتهم بأننا نقف مع وصف الصحيفة لذلك الانتصار بأنه فارغ، فقد أعلن السودان إنه خالي من أي إصابات بالدودة الغينية بعد أسبوع واحد من إعلان دولة جنوب السودان رسمياً واعتمادها في الدوائر الإقليمية والعالمية ضمن الدول المعترف بها.
إذاَ ما المشكلة؟ ولماذا تصف تلك الصحيفة الحاقدة هذا الانتصار بخلو السودان من الدودة الغينية بأنه فارغ؟ ليست هناك مشكلة سوى أن كل الإصابات بهذه المصيبة تقع ضمن نطاق الولايات الجنوبية سابقاً، ولم تسجل أي إصايات في الولايات الشمالية عندما كان السودان موحداً. وبكل بساطة فإن إنفصال الجنوب وإعلان الدولة الجديدة يعني تلقائياً أن الولايات الشمالية الواقعة ضمن مساحة السودان المتبقية خالية من حالات الإصابة بالدودة الغينية. ويبدو أن السلطات المعنية عندنا سارعت بإعلان هذا الأمر وسط الدوائر الصحية العالمية، واعتبرته انتصاراً للمؤسسة الصحية السودانية ومدى إجتهادها في محاربة تلك الدودة اللعينة خور خور وترعة ترعة حتى قضت عليها تماماً.
تقول سجلات منظمة الصحة العالمية إن 98% من الإصابات بتلك الدودة، حتى تاريخ بداية يوليو الحالي، موجودة في جنوب السودان وهي (806) إصابة، بينما بقية الإصابات توجد في إثيوبيا (6 إصابات)، ومالي (3 حالات) وتشاد (حالتين فقط). أي أن هذه الإصابات ال(806) التي كانت في الجنوب القديم تقع ضمن اختصاصات وزراة الصحة الاتحادية حتى تاريخ إعلان الدولة الجديدة، لكن يبدو أن وزارتنا المجيدة لم تكتف بحمد الله سراً بل سارعت إلى الجهر بهذا الأمر في محاولة لتسجيل نصر صحي عن طريق الاستهبال، فالجنوب إنفصل عندها بكل (شروره) بما فيها الدودة الغينية، وكفاها شر محاربته بعد أن صار خارج نطاق مسئولياتها.
الإنتصار الحقيقي وليس الفارغ هو أن تعلن وزارة الصحة بإسم السودان إنها إنتصرت على مرض العصر (الإيدز) وخلو السودان منه، فإصاباته لا تخص الجنوب وحده بل الشمال أيضاً، وإلا كانت أعلنت ذلك في غمرة فرحتها العامرة. الإنتصار الحقيقي ان تبحث وزارة الصحة في أسباب إرتفاع الإصابة بالأورام الخبيثة والسرطان المتفشي بطول البلاد وعرضها وتقول إنها حددت الأسباب وتسعى لمحاربة مسبباته. الإنتصار الحقيقي يوم أن تعلن إنهاء مرض الكلازار في مناطق العمال الزراعيين بالقضارف وغيرها، ويوم ان تعلن السودان خالياً من الملاريا والتيفويد الذي يهرس في (مصارين العباد) بمحاربة البعوض الناقل للمرض ودفن البرك والمستنقعات المنتشرة في كل مكان خاصة في الخريف، وبإعادة الصحة إلى العاملين في مجال الصحة، وبمحاربة الذباب وتوفير المياه الصحية.
أما أن يعلن السودان بأنه خالِ من الإصابات بالدودة الغينية لأن كل الإصابات المسجلة توجد في الولايات الجنوبية السابقة فهذا إستهبال سياسي وإنتصار فارغ حقاً.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق