فرق كبير بين العملية الجريئة التي نفذتها حركة العدالة والمساواة بدخولها وتجولها في شوارع العاصمة الخرطوم في مايو العام 2008 بقيادة زعيمها د. خليل إبراهيم، رغم ما ترتب عليها من نتائج أدت إلى تدمير جزء كبير من فعالية تلك القوة بعد أن تصدت لها القوات النظامية ودارت معاركها داخل شوارع أمدرمان وازقتها ثم مطاردتها في صحاري غرب أمدرمان، وبين العملية الأخيرة التي قادها أيضاً زعيم العدل والمساواة بين فيافي شمال كردفان وشمال دارفور وأدت إلى مقتله ضمن الخسائر الكبيرة التي منيت بها الحركة.
إنطلقت عملية الذراع الطويلة في ظل ظروف إقليمية مواتية ، ومعادلات سياسية مشجعة وغطاء طويل من الخلف يبعث على الإطمئنان بالنسبة لحركة العدل والمساواة. الربيع لم يهل بعد على دول عربية لها علاقة مباشرة بقضية دارفور، والخرطوم على علاقة سيئة بجارتها انجمينا. اللحاف وقتها كان يغطي جسد الحركة وغير الحركة، لذلك لم تكن حسابات الخسارة مقلقة حتى عند حالة الفشل في بلوغ الغايات، مثلما حدث بالنسبة لعملية الزراع الطويلة.
التحولات الكبرى التي شهدها السودان، وعلى رأسها إنفصال جنوب السودان وإعلان دولته المستقلة، وتزامنها مع تحولات كبرى جرت في الإقليم خاصة في ليبيا والعلاقات السودانية التشادية، وتداعياتها على المشهد الدولي وتأثيرها في اتخاذه مواقف غير تلك التي كانت متوائمة مع طقس الزراع الطويلة في العام 2008، ادخلت حركة العدل والمساواة في زاوية مختلفة، واضطرتها إلى استخدام "لحاف" حتى لو كان قصيراً.
التحول في الموقف الدولي من الحرب في دارفور ومن العمل المسلح ضد السلطة في الخرطوم وتغييره بقوة السلاح، يمكن قراءة مؤشراته من أول خبر نشرته وكالة الأنباء الفرنسية عقب موت القذافي مباشرة، وجاء فيه " نيويورك- (ا ف ب): مات معمر القذافي لكن بعض مسؤولي الامم المتحدة يحذرون من أن يكون جزء من أسلحته انتقل إلى أيدي مقاتلي دارفور وتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي وغيرهم من المتطرفين." حيث بدأ النظر إلى حركات دارفور ضمن الحركات المتطرفة في الإقليم. منذ ذلك الوقت بدأ المد الدولي تجاه دعم الحركات ولو إعلامياً في حالة جذر.
العملية او موجموعة العمليات الأخيرة التي نفذتها حركة العدل والمساواة، والتي يمكن أن نطلق عليها "اللحاف القصير"، إنفتحت فيها قواتها على عدة محاور في محاولة لتوسيع نطاق المعارك جغرافياً، والإيحاء بشمول الحرب مناطق واسعة، في شمال كردفان وشمال دارفور. وهي عملية جريئة أيضاً لكن في ظل كل تلك المعطيات والمتغيرات المختلفة.
الهدف من تلك العملية مركب ولا يخرج من كونه محاولة لإعادة كفة الميزان إلى وضعها الذي كانت عليه في السابق، وفرض واقع جديد على الأرض يغير من الموقف الدولي ويعيد قضية دارفور إلى ألقها في الإعلام ويدفع بالحركات إلى موقع متقدم في ظل أي تسوية سياسية جارية وإبطال مفعول التسوية الحالية لقضية دارفور ببنودها التي لم يوافقوا عليها.
الرحمة والمغفرة للدكتور خليل إبراهيم ولكل سوداني قتل جراء تلك الحرب الشعواء، ولتكن تلك آخر الحروب بنهاية هذا العام وبداية العام الجديد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق