أمير بابكر عبدالله
مع بداية السنة الرابعة من المرحلة الابتدائية دخلت علينا صبية أنيقة، صبوحة الوجه، وحجزت لها مكاناً في الصف الأول من مقاعد الفصل. دار همس خفيض واحياناً بصوت عالي من الصفوف الخلفية ليبلغ مسامعها، لكنها لم تكترث، بل ظل وجهها بلا هوية تحدد اتجاهات انفعالاته، جامداً لا يوحي بشيء، تتصرف بتلقائية وطبيعية. عرفنا بعد قليل إنها إبنة مدير المدرسة الجديد الذي جاءنا منقولاً مع بداية السنة الدراسية، ومنزل المدير ضمن مبنى المدرسة فآثر أن تكون إبنته قريبة منه.
على عكس اليوم الأول لوجودها بيننا، جاء اليوم التالي مغايراً، بعد أن تكسرت كل الحواجز بعد أن كشفت ليلى عن صورتها المشاغبة، ونسي الجميع إنها فتاة. ورغم تميزها الدراسي (الأكاديمي) ووضعها الاجتماعي (إبنة المدير)، صارت عضواً نشطاً في فريق المشاغبين، وزبوناً دائماً في قائمة (المهرجلين) ولاعباً مهماً في فريق الفصل لكرة القدم. كان لاعبو الفصول الأخرى يحسدوننا عليها، ومشرفو الفصول من المعلمين يحتجون على إشراكها في اللعب بحجة أنها فتاة، ولكنهم كانوا يرغبون في إبعادها عن فريق فصلنا لمهاراتها الفنية في اللعب وإضفائها نكهة مميزة لفريقنا.
كل ذلك الشريط طاف بذهني وأنا أتباع لأول مرة مباراة في كرة القدم بين منتخبي مصر وأثيوبيا في التصفيات الأفريقية لكرة القدم للعام 2012، والتي جرت أحداثها بالقاهرة قبل أيام. خمس وعشرون إمرأة داخل المستطيل الأخضر (22 لاعبة + 3 طاقم تحكيم). استمتعت بالجزء الكبير من الوقت التي شاهدت فيه سير المباراة بين الفريقين النسويين، وأنا الذي قاطعت مشاهدة كرة القدم منذ سنوات طويلة إلا بعض الفرق إثناء منافسات كأس العالم.
لم أتوقع أن الفتيات يلعبن بهذه المهارة التي تتواضع أمامها فرق رجالية لها من الخبرات والإمكانيات ما لا يتوفر لدى الفرق النسائية، وبهرني أداء وقدرات ومهارات اللاعبات الأثيوبيات برغم تفوق المصريات في النهاية بالنتيجة التي جاءت لصالح منتخبهن. الأثيوبيات كأنهن رضعن لعب الكرة وعشقها من ثدي برازيلي، ونال ذلك التفوق الفني إعجاب سحر الهواري المشرفه علي كره القدم النسائيه باتحاد كره القدم المصريمما دفعها لعقد جلسه مع مسئولي الاتحاد خلال الأيام المقبله، لعرض رؤيتها لتطوير اللعبه، حيث تري أنه يجب تطبيق النظام الإثيوبي والذي يلزم كل أنديه الدوري الممتاز بتشكيل فريق للسيدات لرفع مستوي اللعبه داخل مصر، خاصه أن اتحاد الكره مقبل علي تطبيق دوري المحترفين الموسم المقبل.
لا أظن أن المشجعين، الذين شكلوا حضوراً تجاوز الستة آلاف من مصريين وأثيوبيين غير المتابعين للمباراة من خلال شاشات التلفزيون، كانوا يهتمون لمشاهدة فتيات يتمايلن داخل المستطيل الأخضر ويثرن شهوات الرجال، بل كان الأمر مختلفاً تماماً فهن لا يتركن لك مجالاً –حتى لو كنت من أصحاب النفوس المريضة- إلا أن تتابع ذلك الأداء الرائع والفنيات العالية التي يتميزن بها، فمكان إثارة الشهوات ليس المستطيل الأخضر بل له أماكن كثيرة أخرى لم تتطرق لها فتاوي مجمع الفقه السوداني، فهو لم ينظر في حظره لكرة القدم النسائية وتشكيل فرقهن الرياضية لكرة القدم إلا من بوابة أجسادهن، مع العلم أن كثير من انواع الرياضة الأخرى تشارك فيها نساء سودانيات ويتفوقن أو لا يتفوقن في المحافل العربية والدولية. كان منطقياً ومتسقاً مع طريقة تفكير علماء مجمع الفقه إن منعوا النساء من ممارسة كافة انواع الأنشطة الرياضية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق