أمير بابكر عبدالله
كشفت الأحداث الجارية في مدينة نيالا حاضرة ولاية جنوب دارفور عن أزمة متجددة، وهي أن ما أفرزته الانتخابات السابقة والطريقة التي اتبعها المؤتمر الوطني في اختيار مرشحيه والعقلية التي خاض بها الانتخابات لضمان فوزه بها، له تبعاته وتداعياته التي لم يضع لها حساباً في غمرة نشوته بتحقيق انتصارات زائفة.
كما كشفت تلك الأحداث عن إفراغ العملية الانتخابية التي جرت في ولايات دارفور السابقة من مضمونها ، بالرغم من التشوهات التي صاحبتها أصلاً، جراء القرارات الأخيرة بتقسيمها إلى خمس ولايات بدلاً عن ثلاث. إذ لم تصاحب قرارات التقسيم تلك بإجراءات مصاحبة مؤقتة، إلى حين الإعداد دستورياً لذلك، لتفادي الوضع المتأزم الذي برز حالياً بتعيين ولاة جدد.
بكل تأكيد لم تأت السلطة بأراضي ولا مواطنين من مناطق أخرى خارج دارفور، فالولايات الثلاث السابقة هي نفس المساحة التي تضم الولايات الخمس الجديدة، والمواطنون في دارفور هم ذات المواطنون الذين انتخبوا ثلاث ولاة وثلاثة مجالس تشريعية. جراء التقسيم الجديد كان لا بد أن تتغير امور كثيرة وتظهر تعقيدات مصاحبة سياسياً وإدارياً.
أول تلك المتغيرات هو بطلان العملية الانتخابية التي جرت في الولايات الثلاث قبل عامين، وبموجبها تم انتخاب ثلاث ولاة لحكم المواطنين فيها بحدودها الإدارية المعروفة. وجرت تلك الانتخابات بناء على تعداد سكاني خاص بكل ولاية، ودوائر جغرافية تغطي مساحة كل ولاية بسكانها، وقوائم حزبية استندت على الإحصاء السكاني.
تكونت المجالس التشريعية للولايات الثلاث بناء على هذه الإجراءات، وهي مجالس ستصبح باطلة وغير دستورية بموجب التقسيم الأخير، وبالتالي لا يعبر أعضاؤها عن الجماهير التي انتخبتهم. فالوضع الآن يقول إن ولايات جديدة تكونت واستقطعت السلطة لها مساحات من ذات الولايات القديمة وبالتالي تغيرت الدوائر الجغرافية وتداخلت واختلطت، وبطلت عضوية الفائزين عبر القوائم في تلك المجالس لأن فوزهم جاء عبر القائمة الحزبية للإقليم، فقد تكون قائمة فازت وثقلها في الإقليم الجديد.
إذاً التقسيم الجديد للولايات الثلاث ترتب عليه سقوط شرعية الولاة المنتخبين، فبعد أن كانوا ثلاثة صاروا خمسة وبالتعيين، وينطبق ذات الأمر على أعضاء المجالس التشريعية. وكان يمكن أن يصاحب عمليات التقسيم إخطار بالبدء في انتخابات مبكرة للولاة وللمجالس التشريعية الخمس، وترك الأمر للسلطة الإقليمية بدارفور لتولي هذا الأمر بدلاً من الدخول في متاهة مثل الذي يجري الآن.
إضافة لدارفور، كشف الوضع القائم هناك عن مدى ضعف الولاة في العديد من الولايات، فأزمة القضارف تتصاعد الآن وتشير التوقعات إلى إحتمال سحب الثقة من الوالي هناك، ووالي نهر النيل لا زال عاجزاً عن التعامل مع قضية المناصير، إلى جانب ولايات مأزومة أصلاً مثل جنوب كردفان التي دارت فيها الحرب وكان فتيل إشعالها انتخابات الوالي، والنيل الأزرق بإقالة الوالي المنتخب وتعيين والي بدلاً عنه عقب الأحداث المعروفة في النيل الأزرق.
الوضع بعد إنفصال الجنوب كان يتطلب إجراء انتخابات مبكرة على مستوى السودان، والآن صار إجراء انتخابات مبكرة تعيد تشكيل الحكومة المركزية والولايات ضرورة ملحة. وحتى لا نعيد سيناريو الانتخابات السابقة يتطلب الأمر إتاحة الحريات الكاملة للأحزاب والقوى السياسية وتحضير البينة التحتية للعملية الانتخابية بعيداً عن أهواء المؤتمر الوطني الذي كشف خلال عامين من انتخابات تحكم في كافة مجرياتها إنه لا يستطيع أن يدير محلية ناهيك عن وطن بحجم السودان حتى بعد انفصال جنوبه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق