أمير بابكر عبدالله
كثير من الناس مندهشون لما يجري في الساحة السودانية هذه الأيام، أو بالأحرى في العاصمة القومية، حيث لا علاقة البتة لما يجري فيها بالسودان، او هو ما تنقله وسائل الإعلام على الأقل. ويستغربون لأنهم مستغرقون في عالم آخر حقيقي فيه الكثير من المآسي والآلام، عالم لا تعبر عنه تلك الأحداث التي تنقلها الصحف ووسائل الإعلام بكل تلك الضخامة، وكأنها (وسائل الإعلام) تشارك في تلك المهزلة بطاقتها القصوى بعد أن عجزت عن مخاطبة القضايا الحقيقية، أو عجزت عن الوصول إلى الأخبار التي تهم هؤلاء المندهشين، سواء كان بفعل فاعل خوفاً على (ضنبها) من ان تناله عصاة الحجز والمصادرة، أو بفعل عجز ذاتي مهني أو مالي.
أفتى السيد الصادق المهدي، من موقعه الديني، بفتاوي لم تعجب البعض، فقامت الدنيا ولم تقعد حتى الآن. وكأننا إنتهينا من كل القضايا التي تهمنا وعالجنا كل مشكلات الوطن والمواطن وقضايا المرأة، وبقي فقط أن نعالج مكان وقوفها في صفوف الصلاة وحقها في الشهادة في عقد الزواج.
ونحن (انا) في الرابطة غير الشرعية نقول علينا أولاً أن نعالج قضايا المرأة الأساسية، ونبحث في الأزمة الاجتماعية التي جعلت من دار المايقوما ملجأ لكل طفل تريد أمه التي حملته تسعة أشهر أن تتخلص منه في جنح الظلام. علينا أن نرجع البصر كرتين ونحن نقرأ في الصحف يومياً عن جرائم عمليات إجهاض ومشكلاتها (وهو ما لايساوي نسبة 1% من العمليات التي تجري فعلا)، علينا أن نبحث في لماذا تلجأ المرأة في السنوات الأخيرة لأن تأكل من ثدييها بهذه الأعداد (ودونكم الرقم الذي كشف عنه الطبيب الذي قال إنه لوحده أجرى عشرة آلاف عملية إجهاض خلال خمس سنوات). هل تصمد قضية محازاة المرأة للرجل في صف الصلاة أو شهادتها في عقد الزواج أمام تلك الكارثة طويلاً إن أمعن المعنيون النظر جيداً. أم هو هروب للخلف.
الحرب (وليس الحوار) الدائرة بين جماعة أنصار السنة المحمدية والطرق الصوفية، وآخرها ما جرى في ساحة الاحتفالات المولد النبوي الشريف في أمدرمان، وجه آخر للملهاة التي يريد البعض أن يغرقنا في لججها. سمعت من إمام الجامع الذي أؤدي فيه فريضة الجمعة الأسبوع الماضي (وهو من جماعة أنصار السنة) بأن الاحتفال بالمولد النبوي حرام وليس من الكتاب والسنة ولا عرفوه عند السلف الصالح. والآن الحرب دائرة في خيمة لأنصار السنة في داخل ساحة الاحتفالات (كيف أفهم ذلك)؟
ونحن (انا) في الرابطة غير الشرعية نقول إن هذه (عرضة خارج زفة قضايا الوطن)، وقضايا الوطن كثيرة التي تحتاج للالتفات إليها والبحث عن حلول لها، ومكان حلولها هو طاولات المفاوضات ومراكز البحوث والدراسات. فنحن لا يهمنا الآن أخذ بركات الشيوخ ولا هدم قبابهم، فنحن مسلمون نشهد ان لا إله إلا الله محمد رسول الله ولا يستطيع أحد ان ينكر علينا ذلك مهما ادعى فهمه وتفقهه في الدين لو كان أنصار سن أو شيخ طريقة، وكما يقول أهلنا (حوَّا والدة)، ومتصالحون مع ديننا ودنيانا وكله من فضل رب العالمين. ونقول إن قضايا الدين لا تعالج بالعصي والسلاح بقدر ما تعالج بالحوار (وجادلهم بالتي هي أحسن).
إن ما يحدث من ملهاة هو هروب من الواقع ليس إلا. والواقع يقول إن الوطن في أزمة حقيقية بفضل إنصراف أبنائه عن التعاطي مع قضاياه التي ستودي به إلى التهلكة إن لم تعالج، وإنشغال بعضهم ومحاولة جر الآخرين إلى ساحات قضايا لن تجد مكانها من الإعراب إن هلك الوطن.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق