أمير بابكر عبدالله
لم تسعفني صحتي لحضور حفل افتتاح وفعاليات اليوم الأول لجائزة الطيب صالح للإبداع الكتابي، ولا ختامها. ولكني حظيت بشرف حضور الجزء الأول من برنامج اليوم الثاني، والخاص بشهادات وإفادات الكتاب المعلن عنهم. وما شجعني على تحمل آثار مرض التايفويد -حماك الله- (وهو من أمراض العالم الثالث) إن من بينهم صديقي وأستاذي بشرى الفاضل، وصديقي أمير تاج السر وكذلك الآخرين الذين أقرأ لهم ولم أتشرف بمعرفتهم.
بقدر ما استمتعت بقراءة المنتوج الروائي والقصصي والتكنيك السردي لبعض الكتاب، اكتشفت أن الحضور وطلاقة الحكي الشفاهي، اللتين كان يتمتع بهما صاحب الجائزة (الطيب صالح)، تنقص كثير من مبدعينا. تابعت باهتمام تلك الإفادات والشهادات، حيث نجح الكاتب المصري سعيد الكفراوي بقدرته على الحكي وحضوره الذهني ورسمه للصورة التي يريد تصديرها للحضور، كانت إفادات البقية مكتوبة ومقروءة مما أضفى على طقس القاعة الممتلئة بعض الملل، ليس فيها ذاك الحضور والطلاقة والعفوية والحكي الذي يأخذ بالألباب ويفتح طاقة للإمتاع والموانسة التي كان يتمتع بهما صاحب الجائزة.
المشاركون من السودان كأنهم أرادوا الإلتزام حرفياً بالإبداع الكتابي حتى في إفاداتهم وشهاداتهم، فجاءت أقرب لأدب السيرة الذاتية وإن حاولوا فيها تلمس آثارها على مستقبلهم الكتابي، دون أن تفيدنا أو تشهد بما اجترحوه من طرق في الكتابة ولا طقوس الكتابة لديهم، إلا الروائي أمير تاج السر، وبالرغم من إفادته المكتوبة المقروءة، لكنه أعلن منذ البداية إنها حول ما كتبه وتجربته في الكتابة وطقس الكتابة لديه.
قلت لصديقي جمال همد، الذي جلست بجواره، "سيأتي من يتحفنا بشيء مغاير بعد قليل"، كنت على ثقة بأن بشرى الفاضل سيأتي كالمعتاد بما هو مغاير لما ساد في قاعة تلك الفعالية. فتجربتي معه تطمئنني، وطافت بذهني اولاها، حين وجدنا، ذاك الزمان، نخرج من قاعة مؤتمر الطلاب السودانيين المنعقد بمدينة لينينغراد السوفيتية، ونواصل في احاديث السياسة وجدلها الذي لا ينتهي، ليقترح أن نقيم "سوق عكاظ" إلى جانب جلسات المؤتمر ليخرجنا من برودة الجلسات وصقيع شتاء المدينة إلى دفء الأدب والثقافة والموسيقى. وقد كان سوقاً حافلاً تخرج منه كتاب وشعراء وموسيقيين، وأظنه لا يزال يقام.
رغم ذلك كنت قلقاً قبل أن يبدأ، ناقلاً بصري بين جمال، الذي بجواري، والمنصة التي يجلس فيها بشرى الفاضل. وقد كان.. فبذكائه المعهود وطاقته الجبارة وقدرته على الإلتقاط، أضفى على القاعة جواً آخر.
قدرة بشرى الفاضل على الحكي والإبداع نادرة ومغايرة، فهو لا يركن إلى التقليدي حتى في نصوصه، وإن كانت النصوص تحتاج إلى وقت كاف لتجويدها وإخراجها، فقدرته على الحكي الشفاهي تشهد بانه لا يفارق روح نصوصه. قدم إفادة غير تقليدية تخللتها تلك الفكاهة التي أعرفها عنه، وعرض نماذج من تجربته الإبداعية بشكل جعلها هي نفسها قصة تروى.
ما أن أعلن من المنصة إنه مشارك في مسابقة الجائزة على القصة القصيرة حتى قلت "ولمن غيره ستذهب الجائزة؟" وها هي لا تجد مبدعاً في القصة القصيرة تطوقه بجائزتها الأولى إلا هو، لتتشرف به الجائزة ويشرف هو اسم مبدع زمانه "الطيب صالح". ألف مبروك فأنت تستحقها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق