إذا كنت أخالفك الرأي فذلك لا يعني أنني أتفق مع أعدائك، هكذا كتب ادونيس لصديقه وهو يدافع عن نفسه بعد الهجوم عليه في موقفه من النظام السوري. وهنا لا يهمنا موقف أدونيس المطول والشرح المسهب لموقفه ولا يهمنا موقف المستنكرين لموقفه من الثورة السورية، ولكن تلك العبارة الجوهرية التي تضع القدم على الطريق في كيفية إدارة الاختلاف. والفرق كبير بين الخلاف والاختلاف، فعندما نتعامل مع عبارة أن "الاختلاف لا يفسد للود قضية"، نتجاهل أن الخلاف يفسد للود ألف قضية.
كثيرة هي النماذج التي يمكن فحصها وفقاً لمنظور هذه العبارة في حياتنا السياسية، واكتشاف مدى ورطتنا في وحل الرأي الاحادي ونفي الآخر، وكيفية الابتزاز الذي ينبئ عن عقلية لا تحتمل أن يخالفها أحد الرأي. لنأخذ نموذجاً قوى المعارضة التي تجتمع على هدف اسقاط النظام، في هذه الحالة يمثل النظام العدو بالنسبة لها. قوى المعارضة تتكون من عدة فصائل (المفروض أن) يجمع بينها برنامج حد ادنى على الأقل، وتتفق على آليات لتحقيق هذا الهدف.
هذا الوضع يحتمل وجود اختلافات وتباين في وجهات النظر داخل هذه المنظومة في المستويات الأعلى من برنامج الحد الأدنى، ينبري أحدهم ليشكك في موقف آخرين عندما يرتفع بسقف البرنامج للمستوى الذي يرغب فيه، لا الذي اتفق عليه. وسرعان ما يتهمهم بالوقوف إلى جانب العدو، وهو في هذه الحالة النظام،معتبراً إن مخالفة رأئه تعني الاتفاق مع عدوه.
الشيء الطبيعي ان تختلف السلطة الحاكمة والمعارضة، ولكن هناك اتفاق ضمني بأن الوطن فوق كل شيء، وكل طرف يرى هذه المقولة من الزاوية التي تريحه. في غمرة صراعهما المتواصل، تحاول السلطة الحاكمة ان تشوه صورة المعارضة، خاصة عندما يشتد الحصار عليها، ويكون هدفها في هذه الحالة صرف الأنظار عن حالة الضعف والضيق التي تعتريها. وليس هناك أسهل من اتهام المعارضة بالخيانة أو العمالة للأجنبي.
من السهل جداً على السلطة أن تلقى الاتهامات جزافاً على مخالفيها في الرأي، لكن من الصعب في ظل الثقافة السياسية السائدة والبنية الفكرية والذهنية أن تحتمل راياً مخالفاً، فسرعان ما تحيله إلى خانة الخلاف، وترى فيه مهدداً لملكوتها وجبروتها. فالنساء المعارضات يتربعن على عرش الخيانة بقدرتهن (حسب رأيها) على استمالة المنظمات الدولية والدول الغربية لصالح قضاياهن، والمعارضون من الرجال بالنسبة لها يشدون الرحال إلى السفارات الأجنبية يتقوون بها على السلطة. وهي اتهامات ترقى لدرجة الخيانة العظمى، ولكنها تبقى اتهامات جزافية طالما ظلت بين طيات الصحف وليست في ساحات المحاكم. فالطرفان، المتهم (بكسر الهاء) والمتهم (بفتح الهاء) يدرك أنها تأتي في إطار اللعبة السياسية، ومن سبل كسب العيش السياسي لاستمالة الرأي العام.
هذا المنهج لن يخدم لا الوطن ولا اللعبة السياسية وتطورها الإيجابي، ولا يعبر سوى عن ضعف في القدرة على إدارة الاختلاف. فإذا كانت السلطة بسياساتها هي التي قادت إلى أن يسرح (عدوها) ويمرح داخل الوطن، فليس ذنب المعارضة أن تختلف معها حول هذه السياسات، ولا يعني أن تختلف معها حولها أنها تقف أو تتفق مع (العدو)، فهي من فتح الباب ل(العدو) على مصراعيه وبدا فعلياً في التدخل في الشأن الداخلي للبلد وأصبح طرفاً في اللعبة السياسية الداخلية، بحيث أصبح لكل دولة مبعوث خاص للسودان وبعثة (حتى عسكرية) خاصة بالسودان.
أما المعارضة المسلحة فهي إبن شرعي للنظام، إستولدها بنفسه جراء سياساته التي كان من الممكن ان تستوعب كل الاختلافات وتديرها بشكل إيجابي لا أن تحولها إلى خلافات، او كما تقول الحكمة في حروب الصين القديمة اترك لعدوك منفذاً،فإنك بسد كل المنافذ عليه ستجعله يستميت في الدفاع عن نفسه وحتى إن انتصرت سيكون انتصار باهظ الثمن وبلا معنى.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق