أمير بابكر عبدالله
من تخريجات القذافي ومحنه –نسأل الله له
المغفرة- (نجر) كثير من المصطلحات والأسماء لمقابلة مصطلحات وأسماء سائدة، في
محاولة منه ل(قذففة) الشعب الليبي، ولعل أشهر تخريجاته اعتماد تقويم ليبي خاص لا
علاقة به التقويم الميلادي ولا الهجري وإنما يبدأ من وفاة الرسول عليه الصلاة
والسلام، وغير أسماء الشهور ليصير شهر مايو هو شهر (الماء) لأن الثلج يذوب في هذا
الشهر ويتحول إلى ماء. وكذلك من تخريجاته تسمية سفاراته باسم (مكاتب الأخوة).
سأتقمص بعض جنون القذافي وشطحاته، (فهو ليس
كبقية الرؤساء الذين أجبروا على التنحي، فقد توارت أخباره بعد مقتله)، وفي شيء
مختلف تماماً. ففي بداية شهر الماء حيث يبدأ ذوبان الجليد ويتحول إلى ماء، خرجت
إلينا أسماء أعلام في حياتنا، بإعلان تأسيس جمعية (للأخوة) بين السودان وجنوب
السودان، كسروا بذلك الإعلان رتابة ما هو سائد من توتر واخترقوا جسد الحرب بسهم
نافذ. ومن بين من عرفنا من الأسماء الأستاذ الجليل محجوب محمد صالح والبروف الطيب
زين العابدين وهما في قمة تلك الجمعية.
إنها فعلاً الخطوة العملية في طريق بناء
السلام، ولعل التوفيق صاحب الإسم بأنها ليست مجرد جمعية للصداقة بين الشعوب وإنما
جمعية (اخوة) (بعيداً عن هترشات القذافي). فجمعيات الصداقة بين الشعوب لا تعبر
حقيقة عن العلاقة التي تربط بين الشعب السوداني حتى بعد أن إنفصل الوطن إلى
(اثنين)، فالأسم له دلالة واضحة، إذ يقوم على تاريخ واجتماع وانثروبولوجيا وجغرافية
فشلت السياسة في استيعابها، فكان لا بد للجوء للخيار الشعبي الذي تم تغييبه لتثبيت
حقائق التاريخ.
كتبت في الاسبوعين الماضيين عن
"مشروع السلام هو الحل"، وهو مشروع شعبي يهدف للضغط من أجل إعلاء قيم
السلام لا الحرب ونشر ثقافة السلام، وهذه الخطوة التي ابتدرها اساتذتنا الأجلاء
ستكون اللبنة الأولى في مشوار السلام الذي يحتاج لجهد مضاعف واستثنائي ليثبت فعلاً
أن العطار يمكنه إصلاح ما أفسده الدهر، وليت الدهر يفهم هنا وهناك.
تحتاج هذه الخطوة إلى خطوة، ليست شبيهة
وإنما مطابقة، من الشق الآخر من الجسد (الأخوة) لتلتقي الخطوتان للأمام دون رجوع
خطوة للخلف. فالنصف الآخر من الشعب هناك (في الجنوب) أيضاً يحتاج لمبادرين يكسرون
حاجز الصمت في ظل أجواء التعبئة هناك، فهناك أيضاً من لديهم لوثة الحرب ويغذون
سدنة الحرب هنا بدماء تراق بين (إخوة)، وكأنما لديهم نذر يستوفونها وقرابين
يقدمونها لكي يعيشوا هم.
رغم كل الإحباط واجوائه المسيطرة، والشرر
الذي يتطاير من العيون هنا وهناك، تخرج علينا خطوات عملية مضيئة تثبت أن هناك
عقلاً يفكر بهدوء، عقل ملم بعمق الأزمة واستفحالها لكنه ليس بالعقل اليائس وإنما
المتفائل والمليء بالأمل، بأن "غدأ أفضل".
وكما جاء في الخبر الذي أوردته وكالة الأنباء
الفرنسية على لسان الأستاذ محجوب محمد صالح “ندرك أن العلاقة بين الدول قد تتعرض لتوترات
ولكن الضمانة لهذه العلاقة أن تظل العلاقة الشعبية بمنأى عن هذه التوترات الطارئة”.
وأضاف “لا بد أن نحافظ على العلاقات الشعبية حتى تكون الضمان لاستمرار العلاقة”.
وواضح مما ذكره البروفيسور الطيب زين
العابدين أن المهمة ليست سهلة، بل تحتاج لمجهودات كل المحبين للسلام. فلتكن تلك
الخطوة أولى الخطوات في مشروع "السلام هو الحل" علها تطفي لهيب الحرب
وإلى الأبد بين شعب واحد في بلدين، خاصة وأنها انطلقت كجمعية (أخوة) وبدات في شهر
الماء.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق