أمير بابكر عبدالله
جاء رسول عمر بن الخطاب رضي الله عنه من
إحدى الغزوات فبشره بالنصر. فسأل عمر بن الخطاب متى بدأ القتال؟ فقالوا قبل الضحى.
وقال متى كان النصر؟ فقالوا قبل المغرب. فبكى سيدنا عمر حتى ابتلت لحيته. فقالوا
يا أمير المؤمنين نبشرك بالنصر فتبكي؟! فقال رضي الله عنه (والله إن الباطل لا
يصمد أمام الحق طوال هذا الوقت إلا بذنب أذنبتموه أنتم أو أذنبته أنا). وأضاف
قائلاً (نحن أمة لا تنتصر بالعدة والعتاد) ولكننا ننتصر بقلة ذنوبنا وكثرة ذنوب
الأعداء، فلو تساوت الذنوب لانتصروا علينا بالعدة والعتاد.
هكذا قالها عمر بن الخطاب، الذي قيل له في
ذاك الموقف "عدلت فنمت يا عمر"، في الوقت الذي خرجت علينا مانشيتات
عريضة في صحف الخرطوم، على الأقل التي اطلعت عليها، بتصريحات مساعد الرئيس الدكتور
نافع علي نافع الذي شهد تمارين عملية لمعركة عسكرية نفذتها خمس مجموعات من كتائب
"البنيان المرصوص" بقوات الدفاع الشعبي في إطار احتفالاتها بتخريج تلك
الكتائب بمعسكر المرخيات بأمدرمان الأسبوع الماضي، وقال الدكتور نافع في كلمته
التي تناولتها تلك الصحف إن القوة والسلاح يحرسان راية الإسلام والمشروع الإسلامي وليس
الاقتصاد أو السياسة. وأضاف على استحياء "رغم دورهما".
فرق كبير بين الموقفين والخطابين، وربما
جاء خطاب الدكتور في غمرة حماسته وهو يرى تلك الكتائب ويستمع إلى أهازيج واناشيد
الجهاد، لكنه موقف وخطاب يعبر بدقة عن محاولات الهروب إلى الأمام من التزامات
الاقتصاد والسياسة، وممارستهما وتطبيقاتهما على أرض الواقع، ففيهما وبهما تتوالد
وتتكاثر ذنوب الحكام أو تقل. الواقع الماثل لا يحتاج لمزيد من القول ولا الحبر
ليكشف مدى تكاثر ذنوب قادة المؤتمر الوطني الحاكم، بسبب فشل السياسات التي طبقوها
والحالة الاقتصادية التي لا تتناطح عنزتان حول ترديها، كلها ذنوب متراكمة لقرابة
الربع قرن من الزمان. وبكى سيدنا عمر الذي كانت خلافته عشر سنين وستة أشهر وأربعة
أيام وقيل عشر سنين وخمسة أشهر وإحدى وعشرين ليلة، بكى خوفاً من أن تكون ذنوبه
أكثر من ذنوب عدوه، فهو من أمة لا تنتصر بالعدة والعتاد.
قال العلامة إبن خلدون "العدل أساس
الملك"، والعدل لا يستقيم دون سياسة تؤسس له ولا يقوم في ظل اقتصاد منهار،
حيث يتحول إلى نقيضه وهو الظلم. فالعدل ثقافة تنتشر وتسود وليس عنفاً يمارس. وأساسه
إعطاء الحقوق لذويها، ولا يتم ذلك إلا في دولة يحكمها القانون.
وحقيقة إن القوة والسلاح لا يحرسان راية
الإسلام ولا المشروع الإسلامي، فكم من الأعوام أخذتها الحرب من عمرنا، ولندع
السودان الكبير جانباً فقد انفصل.فإذا تحدثنا عن السودان بحدوده الجديدة، كم سنة
استغرقتنا الحرب في دوامتها ولم يبك الدكتور نافع في الوقت الذي بكى فيه أمير المؤمنين
لأن المعركة أقل من عشرة ساعات. والدكتور يعيش معركة استمرت لسنوات ولا تزال،
فالذي يعتقده باطلاً ما زال صامداً طوال سنوات. وهو لم يبك لأن تلك الكتائب هي كتائب
الهيكل العسكري لولاية الخرطوم والقوات الخاصة والمدرعات والرماية وكتيبة من ولاية
الجزيرة، أي لحماية النظام وليس لحماية راية الإسلام والمشروع الإسلامي إلا إذا
كانت تلك الراية وذلك المشروع في الخرطوم فقط دون سائر مناطق السودان.
ولم يدعكم بل قال لكم العلي القدير وفي
صيغة الأمر "اعدلوا هو أقرب للتقوى". هكذا لن تحتاج البلاد لتلك الجحافل
من قوات الدفاع الشعبي لمعارك حربية، فليس هناك سبب للحرب إذا ساد العدل وقامت
دولة القانون، بل توجه لمناشط انتاجية وخدمية داعمة للاقتصاد إذا كانت الغاية هي
حماية راية الإسلام والمشروع الإسلامي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق