أمير بابكر عبدالله
أعجبت بتصنيف أحد الكتاب "لا أذكر اسمه"
وأظنه من تونس ما قبل البوعزيزي، للعقل السياسي منطلقاً بمدخل أطلق عليه اسم عقل التأسيس.
وهو مقال دقق فيه –حسب وجهة نظره في العقل السياسي العربي السائد اليوم، توصل فيه إلى
تأسيس العقل الديمقراطي كمخرج لما هو سائد. الكاتب يرى أن لا بد من التخلص من نوعين
من العقل، هما العقل السياسي الجبان والعقل السياسي المتوحش اللذين يمثلان نتيجة للاستبداد
وإن تباينا شكلاً ومضموناً، للإنطلاق لبلورة المشروع الديمقراطي.
رأى أن خصائص ومظاهر العقل السياسي الجبان
تتمثل في التمسك بالهياكل وأولويتها على وظائفها، فالتخلي عن الوعاء تعد من المحرمات
لدى العقل السياسي الجبان. ومن خصائصه المرونة التي تصل حد وصف المواقف المعتدلة والمتمسكة
بالحد الأدنى من المبادئ والحقوق والكرامة، التي تعتبر وسطية في أي بلد طبيعي، بالتشدد
والتنطع والتطرف والتهور. ومن ضمن خصائصه الواقعية السلبية، وهي تحليل للواقع يدّعي
الواقعية أي التجرّد والموضوعية والبعد عن الأوهام والأحلام والإرادية والمغامراتية الخ. لكنه عقل لا يرى إلا موازين القوى المختلة لصالح العدوّ
و لا يبرز إلا العوامل المحبطة للعزائم ولا
يركّز إلا على ما يدعو إلى التريث والتفادي و عدم المواجهة والتضحية ''العبثية''. هكذا تصبح الواقعية تبرير أسباب القعود والرضوخ
، ويقول إن تلك وظيفتها منذ البداية.
الأنا فوق كل اعتبار: من ثوابت العقل الجبان:
كل فكرة لست صاحبها فاسدة، كلّ ايدولوجيا لا
اعتنقها أفسد، كل مبادرة لست صاحبها تحارب، كل مشروع لست منطلقه يجهض، كل عمل لا أتحكمّ فيه خطر داهم، كلّ دائرة لست مركزها لا دارت ولا ارتكزت. المضحك في هذا العقل أنه لم
يفهم قاعدة القواعد في السياسة وفي الحياة:
لكي تكبر اصغر، لكي تجد نفسك ضيّعها، بقدر ما تضحّي وتعطي وتتنازل للمصلحة الجماعية، بقدر ما يزداد قدرك ونفوذك.
واحدة من الخصائص ما أسماه الإفتاء من فوق
الربوة، أو ما نطلق عليه (المنظراتي) وهو الشحص الذي يضع نفسه في خانة المستقل. ويرى
الكاتب أن المستقلّ في البلدان ''الطبيعية'' شخصية اعتبارية تعبّر عن أراء سياسية دون أن يكون لها طموح للسلطة. كان هذا شأن
سارتر وكبار المثقفين في الغرب، ويمكن
القول أن هذا وضع كبار الشخصيات الاعتبارية في بلادنا التي تحتاج الساحة السياسية لحكمتهم
وتحكيمهم إن اقتضى الأمر. لكن المستقلّ القاعدي في بلانا غير هذا تماما. هو حزب سياسي
بأتمّ معنى الكلمة لكنه حزب مكوّن من شخص واحديضع نفسه في موازاة الأحزاب بل ويدّعي تفوقه الأخلاقي عليها والنقد والدروس للجميع. هذا بخصوص الإفتاء. أما بخصوص الربوة فالرجل، أو المرأة، يربأ بنفسه عن
السقوط إلى مستوى مشاكل التنظيم الذي
يدّعي احتقاره. هو غير مستعدّ ليسلّم له بحريته
العزيزة أو يتنازل له عن استقلاله الفكري الثمين.
هو ينظر لكلّ هذا من برجه العاجي حيث لا قلق ولا إزعاج .... ولا خطر. وهذا بيت القصيد.
وكأني أراه يصف حالنا حين يقول الكاتب
" ثمّة بالطبع علاقة جدلية بين كل أصناف الجبن والانهيار المريع للعقل السياسي
الذي يحكم اليوم بلادنا. فخوف ما يسمى بالمعارضة
من المواجهة الحقيقية مع الاستبداد هو الذي
فتح الباب بمصراعيه أمام الانتهازية لتصول وتجول وتستأسد على البلاد والعباد دون أن
تخشى شيئا أو أحدا. هكذا لم تعد السلطة تخشى أن يصبح الكذب هو الحقيقة والتزييف هو الواقع والفساد هو
الأخلاق ...... أمّا المنهجية فهي تكتيك ومناورة لترسيخ هذه '' المبادئ'' في مصلحة الهدف الأسمى أي الحفاظ أطول وقت على كنز علي بابا، الذي سقط بالصدفة
بين المخالب القذرة و انتهاز الفرصة لن تتجدّد لاعتصار كل الممكن من اللذة والامتيازات ولو على حساب تدمير الوطن."
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق