أمير بابكر عبدالله
يبدو أن وزير المالية لا زالت تدور في
رأسه قصة عودة السودانيين إلى جذورهم وعاداتهم وتراثهم بأكل الكسرة، وها هو يطلق
دعوته الجادة (التي طالب بأخذها مأخذ الجد) إلى السادة نواب المجلس الوطني بتبني
مشروع صلاة الاستسقاء لأجل نزول المطر حتى ينجح الموسم الزراعي في البلاد. وتلك
دعوة تضاف إلى سجل الملهاة الدائرة في مسرح البرلمان من بطولة بعض نوابه، وليست
الملهاة في صلاة الاستسقاء كسنة مؤكدة، ولكن في توقيت وموقع الدعوة إليها.
صلاة الاستسقاء لا تجدي إذا كان المسؤولون
عن واجباتهم لا يقومون بأدائها، فتعد هنا ضرب من ضروب التواكل لا التوكل. فهناك
الكثير الذي يجب أن يسبق نزول المطر، وكذلك الكثير الذي يليه. أما ما يسبقه فهو
إعداد الأرض الذي يتطلب أن توفر له الدولة متطلباته من آليات ووقود، وما توفره
الدولة من دعم للمزارعين الذين ذاقوا كثيرا من المرارات داخل السجون بسبب الإعسار
وملاحقات البنوك لهم. الإعداد يتطلب خطط وبرامج وسياسات تشجع المزارعين على
الانتاج ليدخلوا الموسم الزراعي وهم مطمئنون، لكن مع تجاربهم لسنوات طويلة مع
سياسات اقتصادية تحارب الانتاج الزراعي والصناعي (الشاهد في ذلك كثير من المشاريع
المروية والتي لا تحتاج لصلاة استسقاء بقدرما تتطلب رؤية إدارية وسياسات مشجعة،
فسبحانه تعالى وفر لها المياه طوال العام، وكذلك المشروعات الصناعية المتوقفة)،
سياسات تنزع بكليتها إلى ترسيخ ثقافة الاستهلاك، حتى المشاريع الاستثمارية الكبرى لا
تخرج، إلا قليلاً، عن صوالين حلاقة تركية ومطاعم أجنبية و(مصانع للمنتجات
الأسمنية)، ولا تخدعك هنا كلمة مصانع فتلك مجرد ماكينات لانتاج البلوك.
صلاة الاستسقاء لا تجدي والوزير يعلن
عملياً فشل برنامجه الاقتصادي الثلاثي بتقريره أمام البرلمان، وفي الدول المحترمة فإن
الوزير المعني إذا فشلت سياساته يلحق اعترافه بالفشل بإستقالته لأنه ليس أهلاً
لتولي تلك المسؤولية، فماذا ينتظر؟ أن يصلي نواب البرلمان من أجله؟ إذاً قوموا إلى
صلاتكم يرحمكم الله.
بل هكذا تورد الإبل
بعد (المقال) البديع الملئ بالسحر والبيان
والممتلئ بلغة عربية رصينة تنم عن ثقافة رفيعة في (قلة) أدب الاختلاف، ساقه (من؟)
رئيس قسم (اللغة العربية) كلية الآداب (جامعة الخرطوم)، نقول آن لك يا بروف محمد
المهدي بشرى أن تمد رجليك وتخلع نعليك (كمان)، ف"الجواب يكفيك عنوانو" وهذا
مثل سوداني المفردة شائع المعنى عربياً وربما عالمياً، ويجيء في معرض استخدام المثل
العربي "ما هكذا يا سعد تورد الإبل" وهذا مثل عربي فصيح له قصته ومناسبته.
والأمثال عادة تضرب لمناسبات أو مواقف شبيهة بالسبب الذي قيلت فيه العبارة ومن ثم جرت
بها الألسن. معروفة قصة سعد والإبل ومناسبتها، وهو مثل يضرب عادة لمن يقصر في أداء
واجبه ولا يؤديه على وجهه الأكمل.
يبدو أن رئيس قسم اللغة العربية – كلية الآداب
جامعة الخرطوم لا يعرف كيفية استخدام الأمثال ومتى تضرب، فاستخدمه عنواناً لمقاله
في حق بروف بشرى، الذي لم يقصر في العناية بإبله وأداء واجبه بالوجه الأكمل في تبيان
الحق تجاه نجاح صديقه د. صديق ومناصرة موقفه. وربما نجد لرئيس قسم (اللغة العربية
كلية الآداب جامعة الخرطوم) العذر فالأمر (استخدام الأمثال) يحتاج إلى تخصص في التراث
والفلكلور وهذا محور دراسة البروفسير محمد المهدي بشرى التي منح بموجبها درجة الدكتوراة
من معهد الدراسات الأفريقية والآسيوية – جامعة الخرطوم، بعد حصوله على بكالريوس الآداب
من ذات الجامعة ودبلوم وماجستير من المعهد نفسه. سلام يا لغة يا عربية. وأنا أتساءل
طوال الفترة السابقة: ما الذي حدث للشباب وخريجي الجامعات وقصتهم مع اللغة العربية
(طلعوا كيت لا انجليزي لا عربي)، ولماذا نخطيء كثيراً في استخدام فنونها، الآن
عرفت السبب.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق