أمير بابكر عبدالله
عقب انتهاء الجولة الأولى للانتخابات
الرئاسية المصرية، التي تأهل فيها مرشحان رئاسيان لخوض الجولة الثانية بعد الفشل
في الحصول على النسبة المؤهلة للفوز من أول جولة وكان الفارق بينهما ضئيلاً جداً،
وهما الدكتور محمد مرسي وأحمد شفيق، اجتمع مرسي، بعد مشاورات داخل مكتب الإرشاد
الإخواني الذي يدرك حجم كتلته الانتخابية وأقصى ما يستطيع إحرازه منفرداً، اجتمع
بقوى سياسية ومنظمات مجتمع مدني وشخصيات مصرية من بينها رموز من الأحزاب لجبهة
الانقاذ والعلمانيين والأقباط ومجموعة 6 أبريل وغيرهم.
عقد الاجتماع في فندق فيرمونت تاورز
هليوبوليس الواقع على كورنيش النيل بالقرب من مبنى الاذاعة والتلفزيون (ماسبيرو)،
بذلك الحضور. طلب مرشح حزب الحرية والعدالة من الحضور دعمه في الجولة الثانية. قال
لهم بطريقته في الحديث والجدية معقودة على حاجبيه، بأن مصر الآن أمام طريقين لا
ثالث لهما، الأول أن يفوز أحمد شفيق في الجولة الثانية وطبعاً كان نظام مبارك
حاضراً في تلك اللحظة بكل سوءاته التي يدركها الجميع والتي ثاروا ضدها في 25
يناير، وما يمثله منافسه من رمزية (مباركية). أما الطريق الثاني هو أن تدعمه القوى
الثورية ليفوز هو.
تعهد مرسي للحضور في اجتماع فيرمونتن في
حالة الموافقة على دعمه وفوزه، بأن ينفذ برنامج شباب الثورة الذين كان لهم القدح
المعلى في إزالة نظام مبارك. وتعهد بأشياء محددة جداً في ذلك الاجتماع: اولها
تكوين حكومة وحدة وطنية تضم كافة أطراف الثورة وتعمل على تنفيذ البرنامج الذي
طرحته أطراف الثورةن وإنه سيكون رئيساً لكل المصريين. وثانيها تعهده بإعادة بناء
الدولة المصرية وفق الاتفاق مع أطراف الثورة. وثالثها تعهده بتنفيذ مطالب الثوار
في محاكمة رموز النظام السابق وكل من ارتكب جرماً في حق الشعب وقتل أفراده
واستعادة أموال الشعب المنهوبة. اما رابعها فكان التعهد بتكوين آلية لصياغة
الدستور الدائم تشارك فيه كل الأطراف السياسية وعلى رأسها الأقباط.
رغم إدارك الأطراف المشاركة في اجتماع
فيرمونت لمعنى الاتفاق مع الإخوان المسلمين وتجربتهم الطويلة معهم، لكن لم يكن
أمامهم خيار آخر سوى القبول بذلك الاتفاق طالما التزم مرسي بتعهداته التي قطعها
أمام الجميع، وهي تعهدات لم يقطعها من (راسو) بل كانت حصيلة ما خرج به مكتب إرشاد
جماعة الإخوان المسلمين. ولم يكن هناك سبيل للسماح بعودة النظام القديم الذي يمثله
أحمد شفيق حتى لو كان الثمن صعود الإخوان إلى سدة الحكم بالشروط التي تم الاتفاق
عليها. وخرج الاجتماع بالتصويت لصالح مرسي في جولة الانتخابات الرئاسية الثانية
لمن أراد، وإلا إبطال الأصوات الانتخابية لمن لا يريد التصويت لمرسي حتى لا تذهب
لصالح الطرف الآخر.
خرج مرسي من ذلك الاجتماع ممتلئة ثقة
بالفوز بتلك الجولة بعد أن ضمن إلى جانبه قوى الثورة التي لم يكن أمامها خيار آخر،
وقد كان أن فاز وأصبح رئيساً لمصر. أدى مرسي اليمين الدستورية ثلاث مرات في اول
بادرة من نوعها، حيث أدى اليمين الدستورية أمام المحمكمة الدستورية كفعل رسمي يأتي
في سياق الدولة والدستور المصري. اليمين الثاني أداه أمام حشد كبير من قوى الثورة
في ميدان التحرير، وحينها خلع قميصه وعرض صدره على الحاضرين في إشارة لمواجهته
الموت في سبيل تحقيق أهداف الثورةن أما ثالث يمين وهو اليمين الحقيقي الذي أداه
أمام حشد من انصاره من الأخوان والسلفيين في مسرح جامعة القاهرة.
ما أن تحكر مرسي على كرسي السلطة حتى تنكر
للمحكمة الدستورية التي ادى اليمين أمامها وحاربها حرب شعواء وتلك يمين غموس، وما
أن أعطى ظهره للجماهير الثورية التي كانت سبب فوزه حتى أخرج لها لسانه هازئاً ووضع
كل تعهداته السابقة لها في (جردل ماء كبير) لتشربه تلك الجماهير وتلك أيضاً يمين
غموس، لكنه التزم أيما التزام باليمين الذي اداه أمام انصاره من الأخوان ولم يخنه
إلى أن راح حكمه (في حق الله). وتلك نتيجة اليمين الغموس.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق