أمير بابكر عبدالله
عندما غرر إبليس بسيدنا آدم عليه والسلام
وأمنا حواء بأن يأكلا من الشجرة المحرمة، وما أن شرعا في الأكل حتى ظهرت لهما
سوآتهما فطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة، أو كما جاء في الأثر إذا بليتم
بالمعاصي فاستتروا. لكن المؤتمر الوطني نزع الله من قلوبهم الحياء، فدائماً ما
يفصحون عن نواياهم بشكل سافر وبلا خجل، وكأنهم بذلك يريدون التأكيد على المقولة
الدارجة "الإختشوا ماتوا"، ربما يخشون الموت أو لا يريدونه لذلك لا
يخجلون.
كيف يمكن تفسير البيان الذي أصدره والي
شمال درافور ورئيس المؤتمر الوطني هناك إلا في الإطار أعلاه. في الظل الحرب
المستعرة بين القبائل في دارفور، حاول موسى هلال رغم رأينا فيه، وهو المحسوب على
حزب المؤتمر الوطني الذي دعمه بلا حدود من أجل تنفيذ سياساته في دارفور التي قادت
في النهاية إلى الوضع الكارثي فيها، حاول أن يلعب دوراً في سبيل إيقاف الحرب بين
تلك القبائل. لن ننظر هنا في المرامي والأهداف التي يضع هلال عينه عليها وهو يسعى
حثيثاً لذلك، ولن ننظر إلى التنافس والصراعات التي برزت إلى السطح بين قادة
المؤتمر الوطني في الآونة الأخيرة بشكل سافر، خاصة بين عثمان كبر وموسى هلال، ولا
يهمنا إن كان صراع حول النفوذ والسيطرة على الإقليم. لكن ما يهم في هذه اللحظة ان
يتوقف نزيف الدم بين أبناء الوطن وأبناء قبائل دارفور، وأي مسعى يصب في هذا
الاتجاه ويحمل بين طياته بوادر نجاح يجب أن يجد الترحيب بعيداً عن المصالح الضيقة
والتنافس على السلطة وكراسيها.
نجح موسى هلال في عقد مؤتمر صلح بين قبيلة
الرزيقات والبني حسين والاتفاق على وقف العدائيات في النزاع الذي خلف مئات القتلي،
ورعاية بنود الصلح الذي تم التوقيع عليه والسعي لتحقيق وحدة قبائل المنطقة تعزيزاً
لجهود السلام والاستقرار. وركز الاتفاق على ضرورة قيام الفزَع المشترك بين القبائل
حال حدوث أي طارئ، وعدم إيواء المجرمين أو التستر عليهم، ومحاسبة المتفلتين محاسبة
شخصية، بالإضافة لرد الأراضي الزراعية المسلوبة.
كل هذا لم يعجب السادة في المؤتمر الوطني،
وما هو أكيد أن عثمان كبر لا يتصرف على هواه بل ينفذ سياسات المؤتمر الوطني التي
تجلت في عدم رغبته في وقف العدائيات وإحلال السلام بين القبائل في دارفور. وكما
ورد في جريدة الصحافة فإن المكتب القيادي للمؤتمر الوطني بالولاية بزعامة الوالي عثمان
كبر، أكد في بيان عدم شرعية مؤتمر الصلح الذي قام به الشيخ موسى هلال، باعتباره خارج
منظومة الحزب، ووصفه بالخروج الصريح عن مؤسسات الحزب.
تأتي تصريحات السيد كبر لتؤكد ان المؤتمر
الوطني لا يرغب في أن يحل السلام في دارفور، بل يريد للحرب ان تستمر، أو لا يرغب
في أن تتخذ خطوة بعيداً عن مراكزالحزب من اجل الاستثمار السياسي والكسب الشخصي. إن
وصف المكتب القائد للمؤتمر الوطني موسى هلال بالخروج الصريح عن مؤسسات الحزب يشير
إلى أن الحزب لا يعنيه ان يعقد مجلس صلح بين القبائل المتحاربة وان يعم السلام
هناك إلا تحت مظلته، لكنه حزب لا يريد السلام فهل ينتظرونه إلى أن يعود إلى رشده ليعمل
من أجل السلام، ويموت من يموت فلا يهم.
التصرف الطبيعي لأي حزب يستهدف السلام
والاستقرار في أي بقعة من الوطن هو تشجيع كل المبادرات التي تهدف لبلوغ تلك
الغاية. لكن سمكة المؤتمر الوطني لا تعيش تحت ماء الاستقرار والسلام ولا تتنفس إلا
في مناخ الأزمات والحروب، وما الحروب الدائرة سواء سياسية او قبلية إلا شاهد على
ذلك، وكلها تحتاج لإرادة سياسية لا تتوفر لدى واضعي برنامج المؤتمر الوطني، وهم
يعلنون عن ذلك صراحة كما فعل والي شمال دارفور الذي اعتبر أن الاتفاق الموقع بين
الرزيقات والبني حسين غير شرعي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق