أمير بابكر عبدالله
مانديلا مات .. مانديلا مات .. آخر خبر في
الراديوهات ... وفي الكنايس والجوامع ... وفي الحواري والشوارع ... وع القهاوي وع
البارات. مانديلا مات .. مانديلا مات ... واتمد حبل الدردشة والتعليقات ... مات
المناضل المثال .. يا ميت خسارة ع الرجال.
لم يمكن الموت شاعر الشعب المصري أحمد
فؤاد نجم من رثاء بطل أفريقيا نيلسون مانديلا، فقد انتقل إلى جوار ربه قبل أيام من
رحيل أيقونة أفريقيا ومثال نضالها ضد الظلم والقهر والعنصرية. لكن مفعول شعره وسحر
بيانه العامي جعلني أضع اسم "مانديلا" بدلاً عن "جيفارا"
ليستقيم المعنى والغاية، وكأنه برثائه لجيفارا منذ أكثر من أربعين عاماً وضع صيغة
نهائية لقصيدة الرثاء العامي.
مثلما خلف الزعيم الأفريقي إرثاً وتراثاً
نضالياً مشرفاً، يستمد منه طلاب الحرية والحياة الكريمة والرفعة لإوطانهم سلامة
الرؤية والقوة والعزيمة، كذلك خلف أحمد فؤاد نجم إرثاً وتراثاً نضالياً ضد الظلم
والديكتاتورية والقهر وسطر إسمه وشعره في كتاب الخالدين إلى ان يرث الله الأرض ومن
عليها.
تتجاوز أشعار نجم الخصوصية لإنطلاقها من
قاعدة إنسانية، وهي بهذه الصورة لا تخاطب فكرة محدودة ولا تستهدف شخصاً بعينه،
فعند قراءتها أو سماعها يحس كل فرد أن كلماتها تعنيه وتخصه هو، وفي ذات الوقت تخص
الجميع. وهي أشعار تنضح بالسخرية المستفزة في كثير من جوانبها، ولكنها سخرية
مستفزة إيجاباً تستنهض القدرات وتستدعي استنفار الطاقات بفضحها للجوانب المظلمة في
المجتمع والمواقف الرمادية للناس.
ربما من أجمل ما قرأت له قصيدته الساخرة
اللازعة المستفزة " طاطي راسك"، وهي قصيدة من ذوات المفعول المستمر
الصالحة لكل زمان ومكان طالما كانت هناك ديكتاتورية وطالما كان هناك استسلام للقهر
والظلم. ينطلق نجم منذ البداية ساخراً وهو يدعوك إلى أن تطأطئ رأسك كشرط لازم
للحرية والديمقراطية.
"طاطي راسك .. طاطي طاطي ... إنت ف
وطن ديمقراطي ... إنت بتنعم بالحرية .. بس بشرط تكون مطاطي"
ويمضي نجم في سلخ جلد الأنظمة الفاسدة
ليكشف لحمها عارياً دون ساتر، فمهما بذلت من إخلاص لخدمة وطنك لكن تروس النظام
الفاسد تعمل على تعطيل أداءك لأنه يتعارض مع مصالحها ويعرقل من خططها فأنت بالنسبة
لهم لا لزوم لك.
"لما تكون شغال بذمة ... خايف على
مصلحة الأمة ... شغلك يطلع من غير لازمة ... علشان مبيعلاش غير واطي ... طاطي راسك
طاطي طاطي ... إنت ف وطن ديمقراطي".
الفساد دون حماية وسند سرعان ما يكتشف
وينال المفسدون العقاب، ويحاصر الفساد بموجب القانون وبواسطة منفذيه، وذلك من
عناصر نجاح الدولة واقتصادياتها. لكن النظمة الفاسدة والتي تحمي الفساد على عكس
ذلك.
"لما حاميها يكون حراميها ... وبلاده
ورا ضهره راميها ... طالع نازل واكل فيها ... مسنود بالبدلة الظباطي ... طاطي راسك
طاطي طاطي .. إنت ف وطن ديمقراطي".
كثير من صفات النظم الفاسدة يسردها أحمد
فؤاد نجم في قصيدته تلك، وإذا تم إسقاطها على كل النظم الفاسدة في العالم تنطبق
حرفياً عليها جميعاً، ليختمها بالصفة الملازمة لتلك الأنظمة وهي غياب الحريات وعلى
رأسها حرية التعبير.
"لما الكلمة تكون بتدينك .. لما تخبي
في قلبك دينك ... لما الذل أشوفه في عينك ... هاك إحباطك على إحباطي ... طاطي راسك
طاطي طاطي ... إنت ف وطن ديمقراطي".
ستظل أشعار أحمد فؤاد نجم تعبر عن وضع
الإنسان في ظل الأنظمة الديكتاتورية الفاسدة، تلك الأشعار الخارجة من رماد البؤس
والشقاء لتبعث الأمل في استمرار النضال من أجل إنسان كرمه الله تعالى في كتابه،
ويستمرأ الفاسدون في الأرض قهره وإذلاله وإهانته لينعموا بالسلطة والثروة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق