أمير بابكر عبدالله
لم يكن قادة المؤتمر الوطني يكترثون كثيراً لاتهامات المعارضة لحزبهم
باستغلال إمكانيات الدولة في مؤتمراته ولا في الانتخابات السابقة أو تلك التي يجري
إعداد نفسه لها. لكن في الآون الأخيرة –بمناسبة أو بدونها- ظل قادته ينفون تلك
التهمة بكثرة، بعد أن دخل لاعب جديد من صلب الحزب نفسه إلى حلبة الصراع وفي خانة
المعارضة. ذلك الحزب أو الحركة هي الإصلاح الآن، ويبدو واضحاً أننا يمكن أن نشهد
عملياً وفي شاشات العرض القادم كيف أن (أوبو القدح بيعرف محل يعضي رفيقو).
جماعة الإصلاح الآن كمجموعة والعديد من الخارجين فرادى عن عباءة
المؤتمر الوطني، كانوا صناع الانتخابات السابقة، فكل قيادات الجماعة أو أغلبها هم
أعضاء في البرلمان الذي أفرزته تلك الانتخابات. هم بالتالي أدرى فعلاً وممارسة
بكيف يستغل حزب المؤتمر الوطني أمكانيات الدولة في الانتخابات أو في مؤتمراته،
لذلك كثر نفي البروفيسور غندور لهذه التهمة في وجه حزبه بعد أن أطلقها أحد قادة
الإصلاح الآن، أو كما قال البروف "على الأقل لم يحدث ذلك منذ استلام مهامه
كنائب لرئيس الحزب."
سنجاري البروفيسور غندور في نفيه تهمة استغلال الدولة وأموالها في
تمويل مؤتمرات حزبه وفي الانتخابات التي يعد العدة لإجرائها (بما يحصل)، لكننا لن
نتمكن من ذلك لفترة طويلة أمام وقائع وشواهد لا بد من التطرق لها. وسنصدق بأن حزبه
يمول نفسه من اشتراكات العضوية والتبرعات المعلنة والاستثمارات الخاصة به، وهو ما
يتسق مع قانون الأحزاب السياسية للعام 2007، الذي ينص على أنه: لا يجوز للحزب السياسي ممارسة العمل التجاري باسمه، فيما جوز للحزب السياسي
الاستثمار في مجال الأنشطة الثقافية وإقامة دور للنشر والصحف وغيرها من وسائل الإعلام،
ويتماشى – في ذات الوقت - مع ما جاء في الفصل الخامس الخاص بالأحكام
والضوابط المالية في النظام الأساسي لحزب المؤتمر الوطني.
إن ما ينصه القانون ويقول به النظام الأساسي فيما يخص الشأن المالي هو
المثال في دولة نظامها السياسي مثالي وقائم على التعددية السياسية، وأجهزة الدولة
فيها محايدة لا تخضع لسيطرة حزب واحد. سنقول لمن يدفع التهمة عن المؤتمر الوطني
بإستغلال الدولة، بأنك ربما على حق، فإن وزارة المالية ليس من بنود صرفها تمويل
الأحزاب السياسية وبالتأكيد حزبكم واحد منها، ولكن لدينا سؤال بسيط، هل كل الأموال
التي تورد لصالح الكثير من المؤسسات والمصالح الحكومية والشركات التابعة لها تجد
طريقها إلى وزارة المالية ثم يعاد توزيعها حسب الأصول المتعارف عليها، وما هي أوجه
صرف تلك الأموال التي تجنبها تلك المؤسسات والشركات الحكومية؟
دع عنك هذا السؤال الساذج، ولنلقي نظرة إلى عدة بؤر شملتها سياسة
التمكين ونتائجها. سنبدأ بعيداً عن السلطة وندخل السوق منذ بدايات الإنقاذ وإلى
الآن. كيف يمكن لحزب مثل المؤتمر الوطني وفي ظل نظام سياسي كالذي يستظل به أن يدير
أموره هناك وتطبيق سياسة التمكين السياسي والاقتصادي في (سوق الله وأكبر). الأمر
بكل بساطة أن يضيق الخناق على كل رجال الأعمال وكبار التجار وحتى صغارهم مما لا
يدينون بسلطانه، بملاحقتهم بالضرائب وإغراقهم في الديون المصرفية وتطبيق السياسات
الجمركية بحذافيرها عليهم، وفي ذات الوقت إفساح المجال ومنح التسهيلات المصرفية
والجمركية لمنسوبيه ومناصريه أو من (فهمها وهي طائرة) وقدم لهم من الخدمات في
بدايات عهدهم، هذا ما حدث لكثيرين ليصبحوا بعد حين إما خارج السوق تتابعهم الخسائر
أينما حلوا أو هربوا بأموالهم إلى الخارج.
جانب آخر من المشهد يتمثل في الشركات الخاصة الكثيرة التي يتم تأسيسها
كلما لاح تمويل محلي أو خارجي لمشروع حكومي، وتقفل العطاءات في دائرة المنسوبين
والمناصرين، ودونكم الطرق والجسور التي يتم ترميمها كل ستة أشهر كمثال حي على ذلك.
ومشهد ثالث مثلما حدث في الانتخابات السابقة مع سلعة السكر التي اختفت فجأة ليرتفع
سعرها بعد احتكارها بواسطة تجار بعينهم ليعود السعر بعد فترة قصيرة ومحسوبة إلى سابق
عهده تحت بصر وسمع الحكومة، وكلنا يعرف إين ذهب فرق السعر. ومشاهد كثيرة في هذا
المجال يمكن إيرادها عن الذين يمكن أن يدفعوا يوم السبت لتمنح لهم تسهيلات الأحد
لتعوضهم وزيادة.
نعود للتمكين في الخدمة المدنية، وقاعدته الرئيسية الولاء قبل
الكفاءة، وهذا يدخل في باب الاستغلال المباشر لموارد الدولة بتعيين الموالين
والمناصرين للحزب وليس غيرهم، دون إخضاعهم لقواعد التعيين وشروطها ودون النظر إلى
كفاءتهم وقدراتهم ومؤهلاتهم، الأمر الذي تسبب فيما نشاهده الآن من تردي وتراجع،
وهو ما قال البروفيسور غندور نائب رئيس الحزب بأنه (لم يعودوا يمارسونه الآن).
شبه إستغلال موارد الدولة ستظل تلازم حزب المؤتمرالوطني طالما هو
مستظل بنظام الحزب الواحد ويسعى لأن يستمر هذا الوضع بشتى الطرق والأساليب، فهو
الوحيد القادر على الحركة لأنه يتحكم في مفاصل الدولة ومواردها، وليس شرطاً أن يتم
التصديق لتمويل نشاطه من وزارة المالية مباشرة، فهناك ألف طريق يتم بها ذلك. ولن
يموه علينا استخدام قادته (لسيارات المؤتمر الوطني) أو سياراتهم الشخصية حتى، فمن
أين لهم هذا؟ فمجال الاستثمار الحزبي المشروع في الثقافة والصحافة والمطبوعات حسب
القانون لا يمكن أن يمول أكثر من ألفي مؤتمر قاعدي ولا مؤتمرات ولائية ولا
اجتماعات شوراها ولا يوفر مبلغ 70 مليون دولار لتمويل الانتخابات القادمة حسبما
قدرت وثيقة استراتيجيته لتلك الانتخابات، والتي قالت إن الانتخابات السابقة كلفت
الحزب مبلغ 50 مليون دولار. ولن نتحدث هنا عن استغلال المسؤولين الحكوميين
لمواقعهم لصالح حزبهم الذي لا ينفصل عن مصالحهم الشخصية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق