أمير بابكر عبدالله
تقوم العملية الانتخابية على عدة قواعد يمثل السجل الانتخابي عمودها
الفقري، فهو السجل الذي يحدد من يحق له التصويت ويساهم في تحديد المستقبل السياسي
للبلد وتوجهاته الاقتصادية والاجتماعية، وبواسطته يعبر المواطن بوابة المركز
الانتخابي ليدلي بصوته ليختار البرنامج الذي يحقق تطلعاته ويحدد من يحكمه وبالتالي
يحدد الثقل الجماهيري للأحزاب المتنافسة على كرسي السلطة، هذا في الأنظمة
الديمقراطية طبعاً. لذلك تهتم تلك الأنظمة بالسجل الانتخابي وإن اختلفت مناهج
إعداد ذلك السجل بين دولة وأخرى، فالبعض يعلم مواطنوها منذ مولدهم، وفقاً لسجلات
المواليد، متى يحق لهم ممارسة حقهم في التصويت، وأخرى تعتمد التسجيل بالطريقة
التقليدية عشية كل عملية انتخابية لتنقيح السجل السابق وإضافة من بلغوا السن
القانونية ليمارسوا ذلك الحق من خلال إبراز هوياتهم التي تحدد تاريخ الميلاد.
نحن في السودان نعتمد الطريقة الأخيرة في الانتخابات سواء تلك التي
جرت في ظل أنظمة سياسية تعددية أو شمولية. لذلك فتحت المفوضية القومية للانتخابات
السجل الانتخابي وانتهت الفترة المقررة للحذف والإضافة حسب طبيعة الأشياء، وخرج
بعدها بروفسور مختار الأصم ليعلن نتائج تحديث السجل ضمن معلومات أخرى عن سير
العملية الانتخابية عبر برنامج "مؤتمر إذاعي" الذي تناولته كثير من
الصحف اليومية كخبر تتفاوت درجات الاهتمام بهم من واحدة لأخرى.
ولأن لغة الأرقام هي الأبلغ وتوضح اتجاهات العملية الانتخابية وبرمتها
ودرجة شفافيتها سنتناول هنا أرقام السجل الجديد التي أعلنها رئيس المفوضية مقارنة
بآخر انتخابات جرت في العام 2010. قال بروفيسور الأصم إن السجل الانتخابي الذي
أنشئ منذ العام 2009-2010 ضم 11 مليون و600 ألف مواطن، ومن سجلوا هذا العام مليون
و700 ألف مواطن ليصبح المجموع 13 مليون و300 ألف مواطن.
الخريطة السكانية التي أعدها جهاز الإحصاء المركزي عقب آخر تعداد
سكاني جرى في البلاد للاعوام 2009-2018 تشير إلى أن تعداد السكان في الولايات
الشمالية للعام 2010 (لم ينفصل الجنوب بعد) بلغ حوالي 33 مليون نسمة، وتوقعت
الخريطة أن يتجاوز تعداد السكان في العام 2014 ال 37 مليون نسمة بقليل.
عدد الذين صوتوا لانتخابات رئاسة الجمهورية في العام 2010 تجاوزوا ال
10 مليون بقليل، وذلك يعني أن أكثر من مليون شخص من المسجلين لم يدلوا بأصواتهم في
تلك الانتخابات (مع ملاحظة ان الجنوب لم ينفصل). وعدد الذين أدلوا بأصواتهم
لانتخابات رئاسة جنوب السودان بلغوا 2 مليون و800 ألف مواطن، وهذا يعني أن من
أدلوا بأصواتهم في الولايات الشمالية اكثر من 7 ملايين شخص.
وبلغة الأرقام أيضاً فإن السجل الانتخابي للسودان بعد الإنفصال لا
يمكن أن يصل للرقم الذي ذكره بروفيسور الأصم، مع ملاحظة إضافية أن بين المسجلين
كثيرين ممن فارقوا الحياة عليهم الرحمة، وهذا بالتأكيد يخصم من رصيد السجل السابق
قبل أن يضاف إليه المسجلون الجدد. وملاجظة أخرى أكثر أهمية أن أعداداً معتبرة من
الذين ضمهم السجل السابق، ووفقاً لإحصائيات رسمية هاجروا إلى بلدان أخرى، وملاحظة
أهم كذلك أن أعداداً أخرى ممن ضمهم السجل السابق اختارت الإنضمام إلى الحركات
المسلحة سواء في جنوب كردفان او النيل الأزرق أو دارفور، وكل هؤلاء وأولئك (الذين
يدخلون ضمن تلك الملاحظات) شاركوا في الانتخابات السابقة فهل ما زالوا يحسبون ضمن
السجل السابق الذي جرى تحديثه؟
رقم آخر استخلصته من الخريطة السكانية المنشورة في موقع الجهاز
المركزي للإحصاء السكاني الإلكتروني بأن الذين دخلوا تحت دائرو الاستحقاق
الانتخابي، ممن بلغ عمرهم ال 19 سنة خلال الخمس سنوات، تجاوز عددهم ال3 ملايين
و700 ألف، أي أن العازفين عن التسجيل من الشباب الجديد حوالي مليوني شاب. في الوقت
الذي بلغ فيه التعداد الكلي في العام 2014 لمن يحق لهم التصويت 17 مليون شخص.
الأرقام التي ذكرها بروفيسور الأصم عن السجل الانتخابي تشير إلى أن
السجل السابق لم يتم تنقيحه، وهو ما سيفتح الباب واسعاً لاتهامات بالتزوير وعدم
الشفافية المطلوبة للعملية الانتخابية، وهي أصلاً مثيرة لكثير من الجدل لتزيدها
تلك الأرقام جدلاً إضافياً.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق