أمير بابكر عبدالله
قادة المؤتمر الوطني باتوا "مفتونين" بالدستور والإلتزام
به، ولكن فقط فيما يخص مواقيت العملية الانتخابية التي أعدوا لها ما استطاعوا
لاكتساحها في ظل غياب تام وتغييب للقوى السياسية الأخرى. وأصبحت مفردة
"الفراغ الدستوري" ملازمة لكل تصريحات أولئك القادة كلما جاء الحديث عن
ضرورة تاجيل الانتخابات على لسان من ارتضوا الحوار بصيغته الراهنة، أو شرط إجرائها
في ظل وضع وحكومة إنتقالية مرضي عنها من الجميع بالنسبة للرافضين شكل الحوار
"الجالس الآن".
لننشط الذاكرة قليلاً حول "الفراغ الدستوري" وموقف المؤتمر
الوطني من الفراغ الدستوري الذي حدث عقب انتهاء أربع سنوات من الفترة الانتقالية،
ولن نتحدث هنا عن انتهاك "الحركة الإسلامية" ومن ثم المؤتمر الوطني
للدستور أصلاً بإنقلاب يونيو 89، ولا عن إيمانه من عدمه بالديمقراطية والاستحقاق
الديمقراطي والتداول السلم للسلطة، وإنما سنتأمل قليلاً في مفهومه للاستحقاق
الدستوري والفراغ الذي يسخلفه عدم إجراء الانتخابات في مواعيدها.
بموجب الدستور الذي يحتكم إليه المؤتمر الوطني الآن، ويخشى من
"الفراغ الدستوري" ويطالب بالتمسك بنصوصه، فإن الانتخابات السابقة التي
جرت في أبريل 2010، والتي جرى فيها ما جري، كانت مواقيت إجرائها دستورياً في يوليو
2009، أي تأخر إنعقادها قرابة التسعة أشهر بسبب مماطلة المؤتمر الوطني. كان رد فعل
القوى المعارضة وقتها ممثلة في هيئة قوى الإجماع الوطني "أن عدم إجراء
الانتخابات في مواعيدها التي حددها الدستور يعني سقوط الشرعية عن الحكومة وبالتالي
ستدخل البلاد في "فراغ دستوري".
سأورد هنا نصين لخبرين بعد إنقضاء أجل حكومة الوحدة الوطنية بموجب
الدستور في يوليو 2009، أحدهما على لسان المعارضة والآخر على لسان قادة المؤتمر
الوطني يكشفان عن مدى التزام المؤتمر الوطني بالدستور.
الخبر الأول
"أعلن تحالف القوى السياسية المعارضة السودانية
(من 28 حزبا معارضا) في اجتماع شاركت فيه أحزاب الأمة، القومي بزعامة الصادق المهدي،
الشعبي بزعامة حسن الترابي، الشيوعي محمد إبراهيم نقد، والتحالف الوطني السوداني، فيما
تغيب الحزب الاتحادي الديمقراطي بزعامة محمد عثمان الميرغني، عن:-
(1) انسحاب التجمع الوطني الديمقراطي من الهيئة
التشريعية (البرلمان) وعددهم (20) نائبا
(2) ورفض نتائج التعداد السكاني
(3) وأكد على استمرار التشاور مع التجمع الوطني
الديمقراطي، وبقية قوي التحالف للانسحاب من الأجهزة التنفيذية في الحكم، باعتبار أن
الحكومة الحالية ليست شرعية.
وجدد التحالف تمسكه بقيام حكومة قومية، معتبرا الحكومة
الحالية برئاسة عمر البشير، غير شرعية منذ الخميس الماضي، ووجه قواعده إلى الخروج في
موكب سلمي هادر لم يحدد موعده، بمشاركة كل جماهير وقواعد الأحزاب.
وقال المتحدث باسم التحالف فاروق أبو عيسى، في تصريحات
صحافية أمس، عقب اجتماع القوى السياسية بدار حزب الأمة أمس،إن الحكومة فشلت في تنفيذ
المسؤولية الملقاة علي عاتقها، ابتداء من خرق الدستور بعدم التزامها بتنفيذ الاتفاقية
بقيام الانتخابات في موعدها المحدد في نهاية السنة الرابعة من عمر الاتفاقية."
الخبر الثاني
"شن المؤتمر الوطني هجوماً على المعارضة، واتهمها
بالتآمر مع الغرب لإسقاط النظام. ووصف نائب رئيسه د.نافع علي نافع، الذى كان يخاطب
ندوة سياسية بولاية البحر الأحمر بمناسبة الذكرى العشرين لثورة الإنقاذ، مذكرة المعارضة
التي تعتزم رفعها للمحكمة الدستورية بحيلة "من يفتح خشم البقرة" في كناية
عن عجز أحزاب المعارضة وضعفها أمام المؤتمر الوطني.
وقال إن موقف المعارضة وادعاءاتها بعدم شرعية الحكومة
ما هو إلا الزبد الذي يتمسك به الضعفاء، وأردف: "رسالتنا لهم أن الإنقاذ لن تذهب
بمثل هذه الحيل والمكائد".
ومن جهته، أفتى نقيب المحامين السودانيين فتحي خليل
بعدم صحة مصطلح الفراغ الدستوري، وقال لقناة الشروق: "هذا يعني عدم وجود دستور
أو محكمة دستورية، وهذا أمر غير صحيح، بدليل اعتزامهم التقاضي أمام المحكمة الدستورية".
وفند اعتماد أحزاب المعارضة على المادة 216 التي
تتحدث عن قيام الانتخابات في مدة لا تتجاوز العام الرابع من الاتفاقية، وقال إن من
الأعراف القانونية عدم أخذ النص بمعزل عن الاتفاقية."
ويتحدثون الآن عن "الفراغ الدستوري"
الذي سيتسبب فيه عدم إجراء الانتخابات في موعدها. سبحان الله ولا قوة الإ بالله.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق