أمير بابكر عبدالله
دائماً ما تعلق السلطات فشلها وعدم قدرتها على التصدي لمسؤولياتها
تجاه مواطنيها على شماعة الاستهداف الخارجي، وتتمسك بنظرية المؤامرة في محاولة لذر
الرماد على العيون، فالاستهداف الخارجي لا تتراءى ملامحه إلا في ظل ضعف الدولة.
يقول المفكر والكاتب الأمريكي ذو الأصول اليابانية فرانسيس فوكوياما في كتابه (بناء
الدولة .. النظام العالمي ومشكلة الحكم وإلإدارة في القرن الحادي والعشرين) "يقوض
ضعف الحكم والإدارة مبدأ السيادة الذي قام عليه النظام العالمي الحديث في الفترة
التي أعقبت اتفاقية وستفاليا. ويرجع السبب في ذلك إلى أن المشاكل الكثيرة التي
تولدها الدول الضعيفة، لنفسها وللدول الأخرى، تزيد بشكل كبير احتمال أن تسعى قوى
أخرى في النظام الدولي إلى التدخل في شؤونها ضد مشيئتها لحل تلك المشكلات
بالقوة".
هناك العديد من المؤشرات التي تذهب إلى ضعف الحكم والإدارة في دولة
مثل السودان، مما استدعى تدخل قوات دولية للحفظ السلام وبموافقة سلطة المؤتمر
الوطني أو إضطرارها على الموافقة نتيجة عدم قدرتها على حل الأزمات الداخلية
المستفحلة، بل وتوالدها وتكاثرها وتعقيدها. يظل استمرار الحرب الداخلية طوال هذه
السنوات المؤشر الأبرز لعدم قدرة نظام الحكم على إدارة الإختلاف والتنوع، وتظل
الحلول التي تبناها النظام القائم حتى الآن غير فعالة لعدم مخاطبتها مسببات الحرب
،وهاربة باستمرار من دفع استحقاقات السلام الذي يتطلع إليه الجميع. عدم الفعالية
والهروب من دفع الاستحقاقات اللازمة لوقف الحرب قائم على فكرة رئيسية تتوسط مجمل
أفكاره في كيفية إدارة الدولة، وهي إقصاء الآخرين بكل الوسائل في سبيل المحافظة
على السلطة، وأصبحت المحافظة على السلطة ليست غاية في حد ذاتها بل الوسيلة الوحيدة
للمحافظة على مجمل المصالح المكتسبة.
الحرب لها تداعياتها على مجمل المشهد السياسي والاقتصادي والاجتماعي
ولها إفرازاتها السالبة التي تقود إلى ضعف قدرات الدولة ومقدراتها، فبدلاً من
البناء توجه كل القدرات والإمكانيات إلى الهدم، وبعدها سيتحدث الجميع عن إعادة
بناء ما دمرته الحرب في وقت كان يمكن، بل من الواجب، وضع حد لها إذا لم تكن هناك
القدرة على تفاديها قبل إندلاعها.
الفساد من مظاهر ضعف الحكم والإدارة؛ ولأنه باسم الحرب وتحت مظلتها
تتشكل كثير من مظاهر الفساد ويتحول ذلك المظهر في النهاية إلى إمبراطورية داخل
الدولة لها أركانها مما يصعب من محاولات القضاء عليه. عندها تصبح الدولة المفترضة
خارج دائرة سيطرة السلطة الحاكمة ولا تستطيع مواجهته ومحاربته بالوسائل المعتادة
لتمدده داخل مؤسساتها، فهو لم يعد مجرد أفراد يمكن التحكم فيهم والسيطرة عليهم بل
تماهى مع مؤسسات الدولة لدرجة يصعب الفكاك منها بالطرق التقليدية.
الفساد وجد البيئة المناسبة والمناخ الملائم في سياسة التمكين
والمحسوبية التي تبنتها السلطة منذ إنقلابها، ولأنها سياسة تمثل قمة الإقصاء للآخر
على صعيد مؤسسات الدولة فمن الطبيعي أن تفرز ضعف في القدرة على الإدارة وبالتالي
الحكم. فهي سياسة قائمة على مبدأ الولاء لا الكفاءة ونتيجتها أن وجدت الكثير من
الكفاءات نفسها خارج دائرة المساهمة في البناء وإحلال بدائل غير مؤهلة، إما بسبب
الخبرة أو المحسوبية، وجدت نفسها أمام معضلة إدارة الدولة ليقف حمارها في العقبة.
يحاول قادة المؤتمر الوطني رمي داء إثارة النعرات القبلية على إجراء
انتخاب الولاة المباشر، والحقيقة هي أن الولاة إن أنتخبوا أو تم تعيينهم لن يغيروا
شيئاً طالما سياسة إقصاء الآخر تمثل رؤية جوهرية لمجمل سياسات المؤتمر الوطني، ولن
يتمكن المؤتمر الوطني، مثلما فعل دائماً، سوى إثارة النعرات القبلية كمرتكز أساسي
من مرتكزات فرق تسد. داء النعرات القبلية والعصبية التي رمى بها المؤتمر الوطني
الانتخاب المباشر للولاة لن يجعله ينسل ويتهرب من تحمل مسؤولياته طوال ربع قرن
نتيجة لسياساته، فكم من الأخبار ظلت تترى في الصحف ووسائل الإعلام عن الآلاف من
القبيلة الفلانية انضمت للحزب الحاكم، وعشرات الآلاف من قبيلة أخرى انضمت إليهم في
الولاية الفلانية، وذلك لم يفعله انتخاب الولاة بل المؤتمر الوطني ما يؤكد قصور
رؤيته وفشله في إدارة التنوع والتعدد.
تلك هي، وأخرى، مؤشرات لضعف الحكم والإدارة الذي يمثل الأرض الخصبة
للاستهداف الخارجي، فإن راودت بعض الدول أن تستهدف السودان وحكمه فهذا ما جناه
الحكم على نفسه وما جناه عليه أحد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق