أمير بابكر عبدالله
سأغض الطرف هنا عن الجدل المثار حول صحة بروتوكولات حكماء صهيون وأصولها الفكرية والتاريخية، ولكن اتمسك بغاياتها النهائية وتدمير المسيحية والسيطرة على العالم معتمدة على العنف والحيلة والحروب والثورات لتثبيت أركان حكم اليهود. وسأمعن النظر في عناوين تلك البروتوكولات الأربعة وعشرين التي تمثل خارطة الطريق لبلوغ الغاية النهائية حتى وإن استغرق الأمر عدة قرون.. يا للغرابة!! فهي ذات العناوين التي رسمت خطوات الحركة الإسلامية راعية دولة "الإنقاذ"، ومثلما أراد حكماء صهيون بصياغة تلك البروتوكولات أن يحكم اليهود ويسيطروا على العالم وانتهوا إلى تأسيس دولة صغيرة على خاصرة منزوية غربي قارة آسيا لكنها أكثر المناطق إثارة للنزاع لتاريخيتها وقدسيتها فهي مهبط رسالات سماوية، دولة رغم صغرها قادرة على التأثير شئنا أم أبينا، فإن إسلاميو الإنقاذ أرادوا كذلك أن يبسطوا سيطرتهم على العالم وهم يهتفون في بديات انقلابهم "أمريكيا روسيا قد دنا عذابها، وعلي إن لاقيتها ضرابها"، وعندما اصطدموا بالعين العالمية الحمراء اكتفوا بدولتهم التي أسسوها على أنقاض الديمقراطية والحرية، بل وعجزوا عن الاحتفاظ بكامل حدودها عندما اصطدمت مصالحهم وبقاءهم في السلطة بمصير وحدة البلاد فاختاروا البقاء في السلطة وفصلها على الوحدة وذهابهم إلى الجحيم، فهم أصلاً ليسو بالكفاءة والقدرات التي تؤهلهم للتفكير استراتيجيا في تحقيق أهداف وغايات قد تستغرق قرون أو حتى عقود، فهم أهل لحظة وما تبنيهم لتلك البروتوكولات إلا مكاء وتصدية.
ما فرض "بروتوكولات" حكماء صهيون وكل هذه المقدمة هو ما خطه قلم استاذنا الفاضل، له التحية والتقدير دائما، فيصل محمد صالح ووجدته عن طريق الصدفة في صفحات "الفيس بوك" حول اغتيال شاب سوداني بواسطة ضابط في شرطة النظام العام في أمدرمان بعد مطاردته، على طريقة الأفلام الأمريكية. كتب أستاذنا فيصل "لكل القوات النظامية المسلحة في كل دول العالم بروتوكولات لاستخدام القوة، ومنها الأسلحة النارية، تحدد بدقة شديدة حالات استخدام القوة والمدى المسموح به في كل حالة." مطالباً بتكوين لجنة تحقيق قضائية مستقلة تراجع عددا من الأحداث التي استخدمت فيها الشرطة السلاح في مواجهة مدنيين عزل. ومراجعة "بروتوكولات استخدام السلاح لدى قوات الشرطة".
وليس غرض هذه الكتابة هو البحث في أصول مفردة "بروتوكولات" ولا النظم والقوانين والإجراءات التي تحكم استخدام السلاح. ولا تناول موضوع اغتيال شرطة النظام العام لمواطن سوداني تحت أي ذريعة كانت، بمعزل عن بروتوكولات الإسلاميين الذين يحكموننا لنحو ثلاثة عقود، عطفاً على ما أثير من جدل، ولا يزال، حول جدوى المشاركة في الانتخابات أو مقاطعتها.
على سؤال ما أن يطرح نفسه هنا وبقوة، طاما اتخذت تلك الحادثة مدخلاً، والسؤال هنا هل يتسق فعل قتل ذلك الشاب في قارعة الطريق مع بروتوكولات السلطة الإسلاموية الانقاذية؟ لا شك في ذلك، خاصة أنه فعل يمكن إدراجه تحت عدة عناوين من الـ24 بروتوكولاً لحكماء صهيون. وهذا يقود إلى تساؤل آخر عن مطالبتنا لسلطة تعتمد تلك البروتوكولات بأن تتبنى وجهة نظرنا القائمة على احترام الدستور والحقوق والحريات وحكم القانون وغيرها، وهي مطالبات تنطلق أحيانا وهي تأخذ طابع الدهشة من مثل هكذا أفعال ظلت تمارسها السلطة الإسلاموية الإنقاذية منذ انقلابها في يونيو 1989. تقود هذه التساؤلات الأولية إلى سؤال جوهري ومتشعب، تسهل الإجابة عليه من رؤيتنا للأشياء بمنظار أكثر اتساعاً وفكر أكثر شمولاً. هل نريد إزالة النظام القائم أم نريد تقويمه؟ وهل يقود الطريقان "الإزالة والتقويم" إلى ذات المنطقة التي ننشدها في طموحاتنا السياسية؟
توصيف النظام السياسي القائم، باختصار، هو نظام وصل إلى السلطة من خلال إنقلاب عسكري، وهو قائم على الحزب الواحد تحرسه سلطة بوليسية قمعية، تستخدم أجهزتها إلى جانب أجهزة الدولة الرسمية، في تطبيق وتنفيذ إجراءات عرفية مؤقتة "لروتوكولات" قادرة على تجاوز كل النصوص الدستورية والقانونية التي وضعها بنفسه مضطراً، مكنته من ارتكاب الكثير من الجرائم الجنائية والسياسية والاقتصادية التي تجرمها نصوص الدستور والقانون، دون خضوعه كنظام أو منتسبيه للتحقيق وبالتالي المحاكمة "إلى حين"، وهو بالتالي نظام فاسد بكل المقاييس، سياسيا واقتصاديا واداريا وأخلاقيا.
لا شك أن نظام سياسي بهذه المواصفات الكارثية مطلوب إزالته طال الزمن أو قصر، لصالح نظام سياسي تعددي خاضع لدولة القانون القائمة على دستور متفق عليه يضمن ديمومته. وذلك ما عمل عليه الشعب السوداني بمختلف فئاته وأحزابه ومنظماته وطوائفه، منذ اللحظة التي استيقظ فيها السودان فجر الجمعة 30 يونيو 1989 على وقع المارشات العسكرية بنكهة إسلامية.
دعنا ننطلق، لمزيد من الوضوح، من قاعدة صحفية تقول "إن عض الكلب إنسانا فهذا ليس خبراً، وإنما إذا عض إنسان كلبا ذلك هو الخبر". تطبيق تلك القاعدة على مجمل المشهد السياسي يقودنا إلى حقيقة أن طبيعة السلطة الحاكمة ومنهج نظامها السياسي الذي تتكيء عليه، لا يجعل من الجرائم والتجاوزات التي ترتكبها أخباراً، لأنها –من وجهة نظري- تفتقر إلى الغرابة والتميز باعتبارهما ضمن أهم عناصر الخبر الصحفي.
مشهدان يمكن أن يقربا الصورة إلى الأذهان، حدثا في ظل نظامين سياسيين مختلفين وفي أزمنة متقاربة، الأول في الولايات المتحدة الأمريكية والثاني في السودان.
مشهد أول
"قضت محكمة امريكية على ضابط شرطة سابق من البيض بولاية ساوث كارولينا الأمريكية بالسجن لمدة عشرين عاما بعدما أطلق الرصاص على رجل أسود غير مسلح كان يهرب ليرديه قتيلا.
وحكم القاضي في تشارلستون بساوث كارولينا على مايكل سلاجر وهو ضابط شرطة سابق كان يعمل في نورث تشارلستون. وتسبب مقتل والتر سكوت عام 2015 حيث صور الحادث أحد المارة، في احتجاجات ضد وحشية الشرطة في تعاملها."
مشهد ثاني – لقطة (1)
"اصدرت محكمة سودانية، اليوم الثلاثاء، حكما بالاعدام لضابط شرطة برتبة الملازم فى قضية مقتل المواطنة عوضية عجبنا، بحي الديم جنوبي الخرطوم العام 2012م.
وقضت محكمة جنايات الخرطوم شمال، بالغرامة ( 2) الف جنيه سوداني ضد (7) متهمين وهم افراد دورية شرطة تتبع لامن المجتمع والسجن شهرين، لكن المحكمة اكتفت بالمدة التي قضاها المتهمين في الحبس وهي 4 شهور."
مشهد ثاني – لقطة (2)
"اكدت مصادر (التغيير) ان ضابط الشرطة المتهم بقتل عوضية عجبنا قد تم إطلاق سراحه بعد صدور قرار من المحكمة العليا ببراءته من تهمة القتل العمد. واكدت المصادر ان المتهم كان قد تم إطلاق سراحه مرات عديدة خلال السنوات الماضية وتمت ترقيته إلى رتبة اعلى."
ما بين المشهدين شبه كبير في طبيعة الحدث، رغم بعد المسافة بينهما، واختلاف كبير بطبيعة النظام السياسي الذي حدث فيه كل منهما. فالأول حدث من ضابط شرطة والآخر أيضاً وكلاهما حدثا ضد ضحايا عزل، وكلا الضابطين خضعا للمحاكمة وتمت إدانتهما. ويمكن لأي شرطي يرتكب جريمة سواء في الولايات المتحدة الأمريكية أو السودان أو أي بقعة في العالم أن يهرب بجريمته أو ينجو من فعلته أو يخرج بريئاً من بعد محاكمة، وأن لايقدح ذلك في استقلال الجهاز التنفيذي أو القضائي وحياديته وشفافيته، ذلك إن كان النظام السياسي في مجمله موثوق فيه، أما إذا كان النظام السياسي قائم على الفساد ويعتمد منهج العنف وإقصاء الآخر فإن الثقة تهتز في كل أجهزته التنفيذية وسلامة إجراءاتها. والعبرة في النهايات التي تحددها طبيعة كل نظام سياسي وهذا واضح لا يحتاج لكثير شرح.
بروتوكولات حماء صهيون
البروتوكول العاشر: وضع الدساتير المهلهلة.
البروتوكول الثامن: تفريغ القوانين من مضامينها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق