أمير بابكر عبدالله
ظللنا ضحايا الشرك الذي نصبته لنا الأفكار القديمة بمخاطبتها لموضوعة المركز والهامش وتوثيق مفهومه بقيود إثنية عرقية في سلسلة واحدة مع آرية إيديولوجية ونقاء اقتصادي، جعلتها قادرة على اللعب في تلك المساحة في تجيير الحراك السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي لصالح برامجها. وقعنا في هذا الشرك بمحاولاتنا فك هذا الإرتباط وفض هذه السلسلة بذات القوانين الفيزيائية والميكانيكية، وبالتحديد قانون الطرد المركزي، التي استخدمها السودان القديم لبلوغ غاياته في محاولة للتخلص من عبء عناصر التاريخ والاجتماع وحتى عبء عنصر الجغرافيا وقوانينها، التي تعد شرطاً ضرورياً للتعاطي السياسي والاجتماعي والاقتصادي مع موضوعة المركز والهامش.
اولاً: يجب الاعتراف بأن مفهوم المركز والهامش هو متلازمة أبدية يمكن تفعيل عناصره إيجاباً، بفتح قنوات إرتباط ذات اتجاهين إضافة لقنوات أفقية، لأن كل مركز يخلق هامشه ويحدد موقعه منه قرباً أو بعداً.
ثانياً: بنية الدولة وطبيعة نظام الحكم يحكمان العلاقة بين المركز والهامش، دولة المؤسسات هي الأكثر تأهيلاً لتفعيل علاقة إيجابية بين المركز والهامش من دولة الحزب الواحد التي تسعى لخلق مراكز أكثر لبسط سيطرتها وتغذية استمرار وجودها بمقدرات الهامش، وهي إدارات متعددة للمركز الأم.
ثالثاً: ما نحتاجه هو مراكز إقليمية قوية فاعلة قادرة على التأثير في المركز ولعب دورها في إدارة الدولة. يتكامل دور دولة المؤسسات مع طبيعة نظام الحكم، وهو بالضرورة نظام ديمقراطي تعددي، طبيعته لا مركزية. هذا يتطلب مراجعة أنظمة الحكم التي طبقت في السودان على المستوى الإقليمي وعدم فاعليتها، فنظام الحكم الذاتي الذي طبق في العهد المايوي في الجنوب (السابق) يجب البحث في أسباب فشله الحقيقية وعلاقته بالمركز. كذلك نظام الحكم الاتحادي الذي طبقه نظام الإنقاذ وفشله في إدارة الدولة. الحكم الذاتي او الفيدرالي هي آليات تتواءم مع نظام الحكم الديمقراطي التعددي في ظل دولة المؤسسات ولا يمكن مطالبتها (الآليات) بأكثر من خدمة مصالح المركز على حساب الهامش في ظل دولة الحزب الواحد.
رابعاً: الإعتراف بالتعدد والتنوع وكيفية إدارته هو روح دولة السودان ونظامه، وجوهر الإيمان بالآخر. هذا يتطلب مزيج من الوعي بالتاريخ وقراءته في سياقاته الزمانية، لا وفقاً لإسقاطاتنا الفكرية الراهنة، وقراءة التطور الاجتماعي والثقافي بذهن منفتح لإزالة بؤر الإحتقان التي أعاقت مخرجات التثاقف والتفاعل الاجتماعي وحولتها لنتائج كارثية أدت عملياً إلى إنفصال الجنوب. إنها الجبهة الحقيقية لحرب الوعي والفكر في سبيل تعزيز عناصر هذا التنوع والتعدد لمصلحة المركز والهامش. هذا ما سيفكك سلسلة القيود الإثنية والعرقية المرتبطة بالآرية الإيديولوجية.
خامساً: إعادة التخطيط الاقتصادي لصالح دولة الرعاية هو سر نجاح دولة السودان الجديد. الاقتصاد، وهو الضلع الثالث في تلك السلسلة التي يجب تفكيكها وكسر مفهوم النقاء الاقتصادي، يمثل عظم تلك الدولة المنشودة. التهميش الاقتصادي الذي ظلت تعاني منه الأطراف نتيجة التخطيط الاقتصادي لصالح دولة الجباية، قاد إلى سيطرة المركز المطلقة وفي ذات الوقت إلى تعزيز عناصر الثورة ضده، وهو ما يناقض أهداف السودان الجديد. إمكانية تحقيق دولة الشمال لنمو اقتصادي كبيرة في ظل إعادة التخطيط الاقتصادي لإستغلال الموارد المتاحة لصالح دولة الرعاية وارتباطه بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية.
الاعتراف بوجود الهامش كحقيقة ملازمة للمركز، وليس إلغاءه، وخلق العلاقة الإيجابية التي تسهم في تقوية الطرفين، سيتحقق في ظل بنية الدولة وطبيعة نظام الحكم التي سيستظل بها مشروع السودان الجديد، سيتحقق في ظل تعزيز عناصر التعدد والتنوع لمصلحة الوحدة، سيتحقق في ظل إعادة التخطيط لصالح دولة الرعاية، ليس كل على حدة بل في ظل كل هذه العناصر مجتمعة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق