ما الذي جمع بين فاغنر الموسيقي الباذخ ومجموعة فاغنر العسكرية التي وظيفتها القتل؟ وأين التقيا؟ من الطبيعي أن يتبادر هذا السؤال إلى الذهن ولكنها موسياقه الساحرة تلك التي جمعت فكما أعجب الفوهرر أدولف هتلر بفاغنر وموسيقاه، كذلك كان هناك معجباً آخر قرر تخليد اسم الموسيقي الألماني في أجواء المعارك والقذائف المدفعية، فاستخدم اسمه كنداء مشفر يوجه به قواته أثناء المعارك. إنه الروسي ديميتري أوتكين الضابط السابق في فرقة القوات الخاصة الثانية التابعة للاستخبارات العسكرية الروسية.
انتقل الجنرال السابق في السلك العسكري الرسمي، اوتكين، إلى العمل في الشركات الأمنية الخاصة بعد إنهيار الاتحاد السوفيتي وتوزع وحدات الجيش السوفيتي وأسلحته إيدي سبأ بين الجمهوريات السوفيتية المستقلة. فبعد أن كانت موسكو تحكم آنذاك قبضتها على كل جهاز الدولة السياسي والعسكري في كل الجمهوريات السوفيتية الـ 15 وعلى كل حلف وارسو، وجد العسكريون الروس نفسهم مضطرون لعرض خدماتهم وقدراتهم وخبراتهم في سوق العمل الدولي، بعد تسريح وحدات كاملة من الجيش.
في ظل ذاك الوضع بدأت ظاهرة الشركات الأمنية الخاصة بواسطة عسكريين سابقين. وبدأوا في تصدير خبراتهم العسكرية، بدأتها شركة "أوريل- ضد الإرهاب" في 2003، والتي بدات كمدرسة تدريب غير حكومية ثم انتقلت إلى تأسيس شركات أمنية روسية للعمل في الخارج. صادف المناخ الدولي سوقاً رائجة لتلك الشركات حينها، وبدأت بإرسال أفرادها لحماية الشركات النفطية وكانت نقطة الانطلاق من العراق بعد انتهاء الحرب هناك.
الطريق إلى سوريا
بعد الصفعة الدولية لروسيا في منطقة نفوذها الليبية ومقتل القذافي وخروجها خالية الوفاض، إلى حين، وجدت الشركة الروسية الأمنية "موران" فرصتها كما وجدت فيها الدولة الروسية الفرصة الأفضل، عندما دعتها في 2013 الحكومة السورية، التي تواجه أعنف ثورة في المنطقة من عدة أطراف وبحماية غربية كاملة تسعى لإسقاط حكم بشار الأسد. وكان المدخل لدعوتها هو هو مهمة استعادة مرافق النفط السورية الواقعة في شرق البلاد وحمايتها، وكانت حينها تحت قبضة الدولة الإسلامية.
بناء على هذه الدعوة أنشأت شركة "موران" الأمنية شركة جديدة سجلتها في هونغ كونغ باسم "سلافونيك كورب"، لتتجاوز تعقيدات القانون الروسي وكغطاء يبعد الشبهات عن الأهداف الروسية بعيدة المدى. جندت الشركة الجديدة نحو كتيبة قتالية وأرسلتهم إلى سوريا في 2014 ومن بين قياداتهم كان ديميتري أوتكين الذي كان أول من استخدم نداء "فاغنر" في اتصالاته اللاسلكية بين مقر القيادة والمواقع الميدانية القتالية.
ومن هناك انطلق أوتكين ليعود إلى روسيا ليؤسس مركز تدريب سرعان ما تحول إلى قاعدة عسكرية، وكانت القاعدة مجاورة لقاعدة فرقة القوات الخاصة التابعة للاستخبارات العسكرية الروسية.من هنا ولدت مجموعة فاغنر العسكرية المعروفة الآن، وحظيت بالدعم الكامل لوجستياً وسياسيا من الكرملين خاصة بعد انخراطها في الحرب في إقليم دانباس الواقع شرقي أوكرانيا منذ 2015. وحصل أوكتين على وسام الشجاعة في 2017 مما أدخله تحت طائلة العقوبات الأمريكية فيما بعد هو وشركته.
مقتطفات صحفية عن نشاط المجموعة في سوريا
تقول مصادر صحفية إن عدد أفراد مجموعة فاغنر في سوريا بلغت 2000 مقاتل في عام 2022. وتتضارب الأقوال حول عدد قوات فاغنر الفعلي في سوربا ففي الوقت الذي تقول فيه مصادر موالية لروسيا غن عدد المجموعة لا يتجاوز 400 شخص، ينقل راديو "ليبرتي" في 2018 عن قيادات مجهولة في فاغنر إن مجموع قواتهم هناك حوالي 2000 شخص فيما تشير تقارير أخرى إلى أن قوات فاغنر تصل إلى 4000.
وخلال هذه الفترة منذ 2015 أعدات فاغنر انتشار قواتها في سوريا في أكتوبر 2015 ، بعد أن تكبدت خسائر خلال هجوم بقذائف الهاون على قاعدة عسكرية روسية. ويفيد موقع "فونتانكا رو" إن خسائر المجموعة بين عامي 2015 و2015 بلغت 32 قتيلاً و80 في حالة خطرة، وسحبت الوحدات العسكرية الأساسية وبقيت الوحدات المتخصصة ووحدات الدعم فقط في سوريا. وتشير التقارير إلى سحب الحكومة الروسية الغطاء عن المجموعة في تلك الفترة لخلافات بينهما ورغبة وزارة الدفاع الروسية النأي بنفسها عن الارتباط بالمرتزقة في تكتيك سياسي لسحب البساط أمام قرارات أممية متوقعة. وفي مطلع العام 2017 أفادت تقارير استخباراتية عن مقتل 6 من مجموعة فاغنر خلال الحرب في سوريا.
تنسيق روسي أمريكي
في مطلع 2018 أعلن المركز السوري لصد حقوق الإنسان عن مقتل 15 روسياً يعملون ضمن مجموعة فاغنر في انفجار مستودع ذخيرة في خشام بمحافظة دير الزور. في ذات الوقت تلقت القوات العسكرية التابعة لفاغنر ضربة قوية من القوات الأمريكية المرابطة بالمنطقة واستخدمت فيها كل أنواع الأسلحة في أقوى معارك دير الزور، حيث بلغت خسائر فاغنر حوالي 100 قتيل وفقاً لتقديرات وزارة الدفاع الأمريكية البنتاغون. اللافت أن هذه العملية كانت عقب اتصالات وتفاهمات بين وزارتي الدفاع الروسية والأمريكية عندما اضطرا للتنسيق في مرحلة ما من الحرب في سوريا. كان هناك خط اتصال ساخنا بين الطرفين لتنسيق التحركات على الأرض والجو لتفادي إمكانية وقوع صدام غير مقصود بين قوات البلدين العاملة في سوريا.
ولكن أحد القادة السابقين في فاغنر، يدعى غابيدولين، وشارك في معركة خشام 2018، قال في مذكراته: ما كان يجب أن نكون هناك أبداً، قيادتنا أخطأت والأمريكيون كانوا يعرفون بالضبط أين كنا". وقال إن إنجازات الجيش الروسي في سوريا كانت إلى حد كبير بسبب تضحيات مجموعة فاغنر، وأن هذه الحقيقة تتجاهلها المؤسسة العسكرية الروسية.
وكان الطرفان الروسي والأمريكي توصلا إلى تفاهمات بينهما حول خط التماس شرقي سوريا، وهو نهر الفرات حيث تعتبر مناطق غربي النهر منطقة نشاط القوات الروسية والحكومة السورية والقوى المتحالفة معها وشرقي النهر منطقة نفوذ القوات الامريكية وقوات سوريا الديمقراطية التي تدعهما في ملاحقة بقايا تنظيم "الدولة الاسلامية" قرب وادي نهر الفرات حتى الحدود مع العراق.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق