الفصل الرابع -2- الجنس وسيلة .. غاية
في فصل آخر سنتطرق لمعالجة الكتب السماوية لمسألة الجنس وتنظيمها لتخدم غاياتها الدنيوية والآخروية معاً، ولكن هنا سنستعرض الآيات القرآنية ونصوص الكتاب المقدس التي تناولته كشهوة دنيوية محضة. وقد حوى القرآن الكريم بين دفتيه على الكثير من الآيات التي تتطرق إلى هذا الموضوع من عدة زوايا، بما فيها المثلية الجنسية كفعل مخالف للطبيعة البشرية التي جبلوا عليها.
"زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآَبِ (14) آل عمران. تمثل هذه الآية مفتاحاً مهماً لفكرة مركزية الجنس في حياة الإنسان و"ربطها بالسحر - سنعود إلى ذلك في موضعه"، ولكن هنا يقدم الله سبحانه وتعالى حب شهوة النساء على ما عداها من متاع الحياة الدنيا، ما يعني أهميتها في مفهوم خلافة الأرض كأمر إلهي وذلك لارتباطها مباشرة بما يليها من حب للبنين، أي الذرية التي تعني استمرار نسل بني آدم إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وكذلك ما لها من أهمية قصوى في عالم الغواية بالنسبة للشيطان؛ لذلك جاء الفعل "زُين" المبني للمجهول الذي افتتحت به الآية. قال ابن كثير "يخبر تعالى عما زُيِّن للناس في هذه الحياة الدنيا من أنواع الملاذ من النساء والبنين، فبدأ بالنساء لأن الفتنة بهن أشد. وحب البنين تارة يكون للتفاخر والزينة فهو داخل في هذا، وتارة يكون لتكثير النسل". تفسير بن كثير.
يقول الشيخ محمد متولي الشعراوي في تفسيره للآية أعلاه –بحسب موقع مصراوي الإلكتروني، "وكلمة (زُيِّنَ) تعطينا فاصلا بين المتعة التي يحلها الله، والمتعة التي لا يرضاها الله؛ لأن الزينة عادة هي شيء فوق الجوهر. فالمرأة تكون جميلة في ذاتها وبعد ذلك تتزين، فتكون زينتها شيئا فوق جوهر جمالها.
فكأن الله يريد أن نأخذ الحياة ولا نرفضها، ولكن لا نأخذها بزينتها وبهرجتها، بل نأخذها بحقيقتها الاستبقائية فيقول: (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشهوات مِنَ النساء). وما الشهوة؟ الشهوة هي ميل النفس بقوة إلى أي عمل ما.
وحين ننظر إلى الآية فإننا نجدها توضح لنا أن الميل إذا كان مما يؤكد حقيقة استبقاء الحياة فهو مطلوب ومقبول، ولكن إن أخذ الإنسان الأمر على أكثر من ذلك فهذا هو الممقوت.
وسبق أن ضربنا المثل من قبل بأعنف غرائز الإنسان وهي غريزة الجنس، وأن الحيوان يفضل الإنسان فيها، فالحيوان أخذ العملية الجنسية لاستبقاء النوع بدليل أن الأنثى من الحيوان إذا تم لقاحها من فحل لا تُمكِّن فحلاً آخر منها. والفحل أيضاً اذا ما جاء إلى أنثى وهي حامل فهو لا يُقبل عليها، إذن فالحيوانات قد أخذت غريزة الجنس كاستبقاء للحياة، ولم تأخذها كالإنسان لذة متجددة." محمد متولي الشعراوي – تفسير القرآن الكريم.
إذا في البدء كانت الكلمة، فإن الجنس كشهوة يتقدم ما عداه من متاع الحياة الدنيا، ويدخل في ذلك كل ما يمكن أن يتمنى الإنسان اقتناءه، بل هو مقدم على العمل سواء التجارة أو الرعي أو الزراعة، فبدون تكاثر الأمم لا تستقيم الحياة الدنيا ولا تتحقق الغاية من خلق الإنسان. وهو (الجنس) مفتاح للحياة الاجتماعية والاقتصادية التي سينشغل الناس بها في سعيهم إلى تحقيق "حب الشهوات الأخرى"، وهو بطبيعة الحال يقود إلى إحدى طريقين في المفهوم الديني في خاتمة المطاف، الجنة والنار، مثله في ذلك مثل ما يليه درجة من ما جاء في الآية.
وارتبطت ممارسة الجنس خارج نطاق الزوجية في القرآن الكريم، وفقاً للمصطلحات الاجتماعية الحديثة، بمفهوم الخطئية أو الفاحشة وبالتالي اتصالها بالإغواء الشيطاني الأول، وهو في تلك الصيغة محرم بحكم الشرع في الإسلام وفي كل الديانات السماوية. ودائما ما تقترن تلك الممارسة في تلك الصيغة بالشيطان ففي سورة البقرة "الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) "268).
"وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا (15) النساء.
"وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ" (135) آل عمران.
"وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آَبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ" (28) الأعراف.
ما يكشف مركزية الجنس في حياة وتفكير الناس، ، ما جاء في سورة البقرة في الآية (187) "أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآَنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آَيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ".
نزلت تلك الآية الكريمة عندما وجد البعض حرجاً في ممارسة الجنس مع زوجاتهم في ليالي رمضان وهم راغبون في ذلك، لتحل لهم الرفث إلى نسائهم ليلة الصيام، أي في الفترة التي يحل لهم فيها الطعام منذ غروب الشمس إلى أن يتبين لهم الخيط الأبيض من الأسود. والرفث هنا هو الجماع أو ممارسة الجنس مع المرأة، في الوقت الذي حرم عليهم ذلك أثناء الاعتكاف لله تعالى في المساجد.
وجاء أيضاً في سورة البقرة فيما يتعلق بالجنس "وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (222) نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ" (223).
وبحسب تفسير ابن كثير يقول على لسان ابن عباس "الحرث موضع الولد ( فأتوا حرثكم أنى شئتم) أي: كيف شئتم مقبلة ومدبرة في صمام واحد، كما ثبتت بذلك الأحاديث. وينقل عن البخاري "حدثنا أبو نعيم، حدثنا سفيان عن ابن المنكدر قال: سمعت جابرا قال: كانت اليهود تقول: إذا جامعها من ورائها جاء الولد أحول، فنزلت: (نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم) ورواه داود من حديث سفيان الثوري به، وقال ابن جريج في الحديث: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مقبلة ومدبرة، إذا كان ذلك في الفرج".
الاهتمام القرآني بالجنس وتفاصيله يأتي من أهميته كفكرة مركزية بدأت منذ لحظة الإغواء ولازمت الإنسان في مسيرته كأمر يتقدم كل الأشياء، ويقال إن إحساس المتعة التي توفره الممارسة الجنسية لا تضاهيها متعة أخرى، ففي مقابل الفاحشة التي يأمر بها الشيطان يذهب القرآن، والقرآن كلام الله، إلى الحديث عن الجنس باعتباره فطرة جبل الإنسان عليها ولا يمكنه تجاوزها وتخطيها، ولذلك لا بد من تنظيمها بحيث تذهب إلى الغاية الربانية وليس لإغواء وسحر الشيطان.
وخاطب الله سبحانه وتعالى نبيه عليه الصلاة والسلام لتحذير نسائه بخطاب واضح يكشف عن خطورة "فتح الباب" لما يمكن أن يقود إلى ممارسة الفاحشة "الجنس غير الشرعي" كما جاء في سورة الأحزاب "يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا (28) وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآَخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا (29) يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (30) وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا (31) يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا (32) وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآَتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا (33)، وهي آيات واضحة ومباشرة تعلي من التي تعمل صالحاً من نساء النبي مرتبتين وتنال التي تأتي منهن بفاحشة ضعفي العذاب، إضافة لأمر مباشر أيضاً "إن اتقيتن" أن لا يخضعن بالقول أي لا ترخصن بالقول أو تخضعن بالكلام مما يثير في "الذي في قلبه مرض" مكامن الشهوة التي تقود إلى الفاحشة، ومن الأبواب التي تدخل منها الفاحشة والشهوة هو تبرج الجاهلية الأولى أي المشية المتكسرة والغنج.
ليس القرآن فقط من بين الكتب السماوية، وبالتالي ليس الإسلام فقط من بين الأديان السماوية، التي اهتمت بالجنس، ففي الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد، يمثل الجنس قضية محورية ومركزية مهمة. ولعل سفر "نشيد الإنشاد" في العهد القديم والمنسوب لنبي الله سليمان، وفي ذلك أقوال مختلفة، خير شاهد على هذا الأمر، فهو لا يمثل "قصيد" غزلية تدغدغ المشاعر وتلهب الحواس وإنما يتوغل عميقاً في مشاهد حسية تصور وقائع ممارسة الجنس منذ مقدماته وإلى نهاياته. كل إصحاح يضج بالحب والجنس والشهوة، في الإصحاح السابع من سفر نشيد الإنشاد يقول "مَا أَجْمَلَ رِجْلَيْكِ بِالنَّعْلَيْنِ يَا بِنْتَ الْكَرِيمِ! دَوَائِرُ فَخْذَيْكِ مِثْلُ الْحَلِيِّ، صَنْعَةِ يَدَيْ صَنَّاعٍ. 2سُرَّتُكِ كَأْسٌ مُدَوَّرَةٌ، لاَ يُعْوِزُهَا شَرَابٌ مَمْزُوجٌ. بَطْنُكِ صُبْرَةُ حِنْطَةٍ مُسَيَّجَةٌ بِالسَّوْسَنِ. 3ثَدْيَاكِ كَخَشْفَتَيْنِ، تَوْأَمَيْ ظَبْيَةٍ. 4عُنُقُكِ كَبُرْجٍ مِنْ عَاجٍ. عَيْنَاكِ كَالْبِرَكِ فِي حَشْبُونَ عِنْدَ بَابِ بَثِّ رَبِّيمَ. أَنْفُكِ كَبُرْجِ لُبْنَانَ النَّاظِرِ تُجَاهَ دِمَشْقَ. 5رَأْسُكِ عَلَيْكِ مِثْلُ الْكَرْمَلِ، وَشَعْرُ رَأْسِكِ كَأُرْجُوَانٍ. مَلِكٌ قَدْ أُسِرَ بِالْخُصَلِ. 6مَا أَجْمَلَكِ وَمَا أَحْلاَكِ أَيَّتُهَا الْحَبِيبَةُ بِاللَّذَّاتِ! 7قَامَتُكِ هذِهِ شَبِيهَةٌ بِالنَّخْلَةِ، وَثَدْيَاكِ بِالْعَنَاقِيدِ. 8قُلْتُ: «إِنِّي أَصْعَدُ إِلَى النَّخْلَةِ وَأُمْسِكُ بِعُذُوقِهَا». وَتَكُونُ ثَدْيَاكِ كَعَنَاقِيدِ الْكَرْمِ، وَرَائِحَةُ أَنْفِكِ كَالتُّفَّاحِ، 9وَحَنَكُكِ كَأَجْوَدِ الْخَمْرِ".
من أبلغ القصص التي وردت في العهد القديم من الكتاب المقدس وفي القرآن الكريم، هي قصة يوسف عليه السلام وزليخة، تلك القصة التي تؤطر للمفهوم الحديث لمعنى التحرش الجنسي في أسطع صوره. وعندما نقول للمفهوم الحديث للتحرش الجنسي، فذلك يدخل من باب التشريعات والمفاهيم القانونية الحديثة للحد من الاعتداء على الآخر في ظل التنامي المتزايد للحقوق والحريات منذ النصف الثاني من القرن العشرين. قصة يوسف عليه السلام وزليخة سيدة البلاط في مصر آنذاك تكشف عن جوهر الرغبة الجنسية ومدى سيطرتها على مركز التفكير البشري، فإن اعتبرنا زليخة امرأة سيطرت عليها شهوتها وهي تحاول إغواء يوسف، فإنه في المقابل استنجد بالله تعالى كي ينقذه من هذا الموقف "فقد همت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه". وجاءت قصة يوسف عليه السلام وزليخة في العهد القديم من الكتاب المقدس – التوراة – موجزة في سفر التكوين في الاصحاح التاسع والثلاثين، لحظة أن نزل يوسف إلى مصر بعد أن حدث له مع إخوته الذين يبغضونه ما حدث "وَأَمَّا يُوسُفُ فَأُنْزِلَ إِلَى مِصْرَ، وَاشْتَرَاهُ فُوطِيفَارُ خَصِيُّ فِرْعَوْنَ رَئِيسُ الشُّرَطِ، رَجُلٌ مِصْرِيٌّ، مِنْ يَدِ الإِسْمَاعِيلِيِّينَ الَّذِينَ أَنْزَلُوهُ إِلَى هُنَاكَ. وَكَانَ الرَّبُّ مَعَ يُوسُفَ فَكَانَ رَجُلاً نَاجِحًا، وَكَانَ فِي بَيْتِ سَيِّدِهِ الْمِصْرِيِّ.
وَرَأَى سَيِّدُهُ أَنَّ الرَّبَّ مَعَهُ، وَأَنَّ كُلَّ مَا يَصْنَعُ كَانَ الرَّبُّ يُنْجِحُهُ بِيَدِهِ. فَوَجَدَ يُوسُفُ نِعْمَةً فِي عَيْنَيْهِ، وَخَدَمَهُ، فَوَكَّلَهُ عَلَى بَيْتِهِ وَدَفَعَ إِلَى يَدِهِ كُلَّ مَا كَانَ لَهُ. وَكَانَ مِنْ حِينِ وَكَّلَهُ عَلَى بَيْتِهِ، وَعَلَى كُلِّ مَا كَانَ لَهُ، أَنَّ الرَّبَّ بَارَكَ بَيْتَ الْمِصْرِيِّ بِسَبَبِ يُوسُفَ. وَكَانَتْ بَرَكَةُ الرَّبِّ عَلَى كُلِّ مَا كَانَ لَهُ فِي الْبَيْتِ وَفِي الْحَقْلِ، فَتَرَكَ كُلَّ مَا كَانَ لَهُ فِي يَدِ يُوسُفَ. وَلَمْ يَكُنْ مَعَهُ يَعْرِفُ شَيْئًا إِلاَّ الْخُبْزَ الَّذِي يَأْكُلُ. وَكَانَ يُوسُفُ حَسَنَ الصُّورَةِ وَحَسَنَ الْمَنْظَرِ.
وَحَدَثَ بَعْدَ هذِهِ الأُمُورِ أَنَّ امْرَأَةَ سَيِّدِهِ رَفَعَتْ عَيْنَيْهَا إِلَى يُوسُفَ وَقَالَتِ: «اضْطَجعْ مَعِي». فَأَبَى وَقَالَ لامْرَأَةِ سَيِّدِهِ: «هُوَذَا سَيِّدِي لاَ يَعْرِفُ مَعِي مَا فِي الْبَيْتِ، وَكُلُّ مَا لَهُ قَدْ دَفَعَهُ إِلَى يَدِي. لَيْسَ هُوَ فِي هذَا الْبَيْتِ أَعْظَمَ مِنِّي. وَلَمْ يُمْسِكْ عَنِّي شَيْئًا غَيْرَكِ، لأَنَّكِ امْرَأَتُهُ. فَكَيْفَ أَصْنَعُ هذَا الشَّرَّ الْعَظِيمَ وَأُخْطِئُ إِلَى اللهِ؟». وَكَانَ إِذْ كَلَّمَتْ يُوسُفَ يَوْمًا فَيَوْمًا أَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ لَهَا أَنْ يَضْطَجعَ بِجَانِبِهَا لِيَكُونَ مَعَهَا.
ثُمَّ حَدَثَ نَحْوَ هذَا الْوَقْتِ أَنَّهُ دَخَلَ الْبَيْتَ لِيَعْمَلَ عَمَلَهُ، وَلَمْ يَكُنْ إِنْسَانٌ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ هُنَاكَ فِي الْبَيْتِ. فَأَمْسَكَتْهُ بِثَوْبِهِ قَائِلَةً: «اضْطَجعْ مَعِي!». فَتَرَكَ ثَوْبَهُ فِي يَدِهَا وَهَرَبَ وَخَرَجَ إِلَى خَارِجٍ. وَكَانَ لَمَّا رَأَتْ أَنَّهُ تَرَكَ ثَوْبَهُ فِي يَدِهَا وَهَرَبَ إِلَى خَارِجٍ، أَنَّهَا نَادَتْ أَهْلَ بَيْتِهَا، وَكَلَّمَتهُمْ قَائِلةً: "انْظُرُوا! قَدْ جَاءَ إِلَيْنَا بِرَجُل عِبْرَانِيٍّ لِيُدَاعِبَنَا! دَخَلَ إِلَيَّ لِيَضْطَجعَ مَعِي، فَصَرَخْتُ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ. وَكَانَ لَمَّا سَمِعَ أَنِّي رَفَعْتُ صَوْتِي وَصَرَخْتُ، أَنَّهُ تَرَكَ ثَوْبَهُ بِجَانِبِي وَهَرَبَ وَخَرَجَ إِلَى خَارِجٍ".
فَوَضَعَتْ ثَوْبَهُ بِجَانِبِهَا حَتَّى جَاءَ سَيِّدُهُ إِلَى بَيْتِهِ. فَكَلَّمَتْهُ بِمِثْلِ هذَا الْكَلاَمِ قَائِلَةً: "دَخَلَ إِلَيَّ الْعَبْدُ الْعِبْرَانِيُّ الَّذِي جِئْتَ بِهِ إِلَيْنَا لِيُدَاعِبَنِي. وَكَانَ لَمَّا رَفَعْتُ صَوْتِي وَصَرَخْتُ، أَنَّهُ تَرَكَ ثَوْبَهُ بِجَانِبِي وَهَرَبَ إِلَى خَارِجٍ".
وفي القرآن الكريم جاءت قصته كاملة في سورة يوسف، حيث اتفقت في عمومياتها مع ما جاء في العهد القديم ولكنها كانت اكثر تفصيلاً في وصف ما جرى، ومآلات ما جرى، اتفقت الروايتان على تحرش زليخة بيوسف عليه السلام مع اختلاف طفبف في تفاصيل ما حدث أثناء ذلك. ويمكن قراءة ذلك بوضوح في النصين التوراتي والقرآني.
فقد جاء في سورة يوسف "وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (23) وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ (24) وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (25) قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (26) وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ (27) فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ (28) يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ (29) وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (30) فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآَتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّينًا وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ (31) قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آَمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونَنْ مِنَ الصَّاغِرِينَ (32) قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ (33) فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ" (34).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق